السبت، 13 أبريل 2013

بين البطولة والاجرام قصة حائرة



«منين أجيب ناس لمعنات الكلام يتلوه
شبه المؤيد إذا حفظ العلوم وتلوه
الحادثة اللى جرت على سبع شرقاوى
الاسم أدهم لكن النقب شرقاوى
مواله أهل البلد جيل بعد جيل غنوه»

موال ادهم الشرقاوى لمحمد رشدى


أدهم الشرقاوى، الذى اعتبره الرئيس الراحل أنور السادات مثله الأعلى فى كتابه «البحث عن الذات» هو الاسم الشعبى للسيرة التى خلدت أدهم عبدالحليم عبدالرحمن الشرقاوى المولود عام 1898، أى بعد الاحتلال الإنجليزى لمصر بـ17 عاما، ولد فى قرية زبيدة، مركز إيتاى البارود محافظة البحيرة وقتل فى أكتوبر عام 1921 أى فى عمر 23 عاما، عمر الفتوة الذى يلهم الوجدان ويدغدغ المشاعر.

كان أبيض اللون مستدير الوجه، يمتلك ذكاء لافتا، وقوة خارقة وصلت إلى حد القول بإنه كان يرفع رحى الطاحونة الثقيلة بمفرده، وكان يتبارى مع فتوات عصره فيهزمهم، كما أنه كان فارسا يجيد ركوب الخيل، وسباحا ماهرا، ألحقته أسرته بالتعليم فى مدرسة الشوربجى بكفر الزيات وتعلم فيها الإنجليزية التى كان يتحدثها بطلاقة، وهو الأمر الذى وظفته السيرة الشعبية وحين قتل أدهم نقلت الصحافة وقتئذ الخبر: «مقتل الشقى أدهم عبدالحليم عبدالرحمن الشرقاوى»، هو فى نظر السلطة شقى ولص، والبعض يعتقد ذلك فى الحقيقة، لكنه فى نظر الآخرين والرواية الشعبية بطل امتلك القدرة على منازلة السلطة والضحك عليها، ونجاحه ضدها فى كل الجولات، وصاغها الخيال الشعبى على هذا النحو، فكيف جاء ذلك ؟، ولماذا؟.

أدهم فى الحقيقة فتى دخل السجن بعد تصميمه على الأخذ بثأر عمه محمود الشرقاوى الذى تم قتله بإيعاز من إبراهيم حافظ، الذى كان يمتلك عزبة مجاورة لأرض الشرقاوى، ولما علم إبراهيم بنية أدهم دبر له محاولة قتل، اكتشفها أدهم، وقتل أحد الذين تم استئجارهم لقتله، ودخل السجن على أثر ذلك، وفى السجن يقابل عبدالرؤوف عيد قاتل عمه فيقتله ثأرا، ويستطيع الهرب، فى عملية تؤكد قدراته الخارقة حيث يخلع بوابة الزنزانة فى هدوء، ويقيد حارسه بالسلاسل، ويهرب مع زملائه فى الزنزانة بعد معركة دامية مع البوليس سقط فيها ما يقرب من ثمانين قتيلا، وتبحث عنه السلطة فى كل مكان، وفى رحلة القبض تقع مغامرات عديدة من أدهم، يتنكر مرة فى شخص يتحدث بلغة أجنبية وكأنه خواجة، ومرة يرتدى لبس سيدة، ومرة يتنكر فى شكل غير شكله، ويدور كل ذلك فى مسار الشخص الذى يمتلك القدرات الخارقة التى لا يستطيع غيره فعلها، ولا تستطيع السلطات كشفها، يقتل أدهم صهر وزير الأوقاف، فيطير لب السلطات من هذا الفعل القادر، وتتواصل المغامرات، وتفشل السلطات فى الإيقاع به بكل الوسائل المعروفة لديها، حتى تتوصل (طبقا للسيرة الشعبية) إلى أنه لن يقتله إلا أعز أصحابه بدران، الذى تنجح السلطة فى استمالته، قالت السيرة الشعبية ذلك رغم أن مقتل أدهم فى الحقيقة تم من البوليس.


وهناك نظرة مختلفة لحياة أدهم الشرقاوى وسيرته ترويها مجلة اللطائف المصورة
ففى العدد الصادر بتاريخ أكتوبر سنة ١٩٢١
«المجرم الأكبر الشقى الطاغية أدهم الشرقاوى بعد أن طارده رجال الضبط والبوليس واصطادوه فأراحوا البلد من شره وجرائمه» وتستطرد اللطائف: «ولد أدهم عبد الحليم الشرقاوى نحو عام ١٨٩٨ ولقى مصرعه فى أكتوبر ١٩٢١ فكأنه مات عن ٢٣ عاما بعد أن دوخ الحكومة المصرية نحو ثلاث سنوات ولد بناحية زبيدة من بلاد مركز إيتاى البارود وألحقه أبوه بالمدارس الابتدائية حتى أتم دروس السنة الرابعة ثم أخرجه أبوه من المدارس حين لمس عدم استعداده لتلقى العلوم ولوحظت عليه العدوانية فكان يعتدى على كل من يمسه بأبسط شىء- والكلام مازال لمجلة اللطائف المصورة- التى أضافت قائلة: «وفى ١٩١٧ ارتكب حادثة قتل وهو فى سن التاسعة عشرة، وكان عمه عبد المجيد بك الشرقاوى عمدة زبيدة أحد شهود الإثبات وفى أثناء محاكمته أمام محكمة الجنايات سمع أدهم أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد وحكمت المحكمة على أدهم الشرقاوى بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة فأرسل إلى ليمان طرة، وفى الليمان ارتكب أدهم الشرقاوى جريمة قتل أخرى، فقد تعرف هناك على أحد السجناء وأدرك من كلام هذا السجين أنه القاتل الحقيقى لأحد أعمامه وأنه لم يقبض عليه فى هذه الجريمة التى لم يقبض على أحد فيها لأن مرتكبها ظل مجهولا وإنما قبض عليه فى جريمة أخرى، ولما عرف أدهم الشرقاوى هذه الحقيقة غافل السجين ذات يوم وضربه على رأسه بالأداة التى يقطعون بها الأحجار فقتله وهكذا حُكِم على أدهم الشرقاوى بالأشغال الشاقة المؤبدة، غير أنه هرب من السجن فى اضطرابات ١٩١٩ واختفى فى مكان ما فى بلده. وهناك انضم إليه عدد كبير من الأشقياء فكون منهم عصابة وأخذ يرتكب الجرائم العديدة، وكان همه الوحيد أن يقتل عمه عبد المجيد بك الشرقاوى، عمدة زبيدة، لأنه كان أهم شاهد فى قضيته الأولى فكان يتربص به فى غيطان الذرة ولكنه عجز عن قتله لأن عمه كان شديد الحذر»، وتقول «اللطائف المصورة» إن أدهم الشرقاوى ظل يرتكب الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب فى ناحية زبيدة حتى يكون ذلك مدعاة رفت عمه من العمدية فلم يفلح أيضا، وعندما كبرت عصابته كان يتم استئجاره لارتكاب جرائم القتل «مقابل المال» فقتل الكثيرين وكان منهم خفير نظامى بعزبة خلجان سلامة وشقيقه الشيخ أبو مندور وهو من أعيان المركز وآخرون، ثم أخذ يهدد العمد والأعيان ليبتز منهم مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه، وأخيرا هاجم أدهم الشرقاوى مع أحد أعوانه- وكانا ملثمين- الشيخ حسين السيوى وهو من أعيان ناحية كفر خليفة، وكان أدهم الشرقاوى يطارده وهاجمه بينما كان جالسا مع خمسة من أصدقائه أمام منزله يتحادثون ويلعبون الطاولة، وكان ذلك فى الساعة العاشرة صباحا أى فى رابعة النهار، وصرخ فيهم أدهم الشرقاوى وأطلق رصاصة على الشيخ حسين السيوى فأرداه قتيلاً، فدب الرعب فى قلوب الأهالى، وكان أدهم الشرقاوى يسطو على التجار على قارعة الطريق نهارا ويسلب محافظهم وما يحملون وعندما شاع الرعب بين الناس عززت الحكومة قوات الأمن فى المنطقة وأكثرت من دورياتها، وتخاصم أدهم الشرقاوى مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا فوشى به الخفير لدى البوليس ودلهم على مكانه وحين شددت الحكومة النكير على أدهم الشرقاوى وجدّت فى مطاردته تركه أعوانه خوفاً على حياتهم، أما أدهم فلم يخف بل ظل ينتقل بين مراكز ايتاى البارود وكوم حمادة والدلنجات. وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس التوفيقية أحد الجاويشية ويدعى محمد خليل ومعه أومباشى سودانى وأحد الخفراء فكمنوا له فى غيط ذرة بزمام عزبة جلال، وكان أدهم الشرقاوى فى حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غذائه الذى جاءته به امرأة عجوز، وكان يخفر أحد الخفراء النظاميين. ولما أحس أدهم الشرقاوى بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته الماروز دفاعا عن النفس ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا» وتقول «اللطائف المصورة» أن أدهم الشرقاوى (لم يكن قوى العضلات بدرجة تمكنه من ارتكاب هذه الجرائم، ولكنه من أجرأ اللصوص والقتلة فلا يبالى بالحكومة ولا ببطشها)،


...تابع القراءة

الخديوى اسماعيل وتمثال الحرية


تبدأ القصة بنحات فرنسي عبقري هو فريدريك أوجست بارتولدي الذي جاءته أولا فكرة التمثال دون أن تكون أمريكا قد خطرت على باله، بل كانت فكرة إنسانية عامة تجسد الحرية والحضارة الإنسانية في شكل امرأة تحمل شعلة تنير بها جنبات الدنيا، وإن كان التصميم قد قصد به أن يطل التمثال على موقع ساحلي؛ لأن التاج الذي يعلو رأس المرأة له سبعة أسنة (تبدو كأنها سبعة أشعة)، ترمز للبحار السبعة التي تطل عليها قارات العالم.
عندما وضع بارتولدي تصميم تمثال الحرية، أخذه إلى الخديوي إسماعيل في مصر، في أعقاب افتتاح قناة السويس للملاحة (1869)، واقترح عليه أن ينصب على مدخل القناة ليكون رمزا لحرية الملاحة أمام العالم، وباعتبار أن التمثال يمثل مصر وهي تحمل شعلة الحرية.
ولما سئل الخديوي إسماعيل عن تكاليف بناء التمثال (كان حتى ذلك الحين مجرد تصميم على الورق) قدرها بارتولدي بستمائة ألف دولار، وهو ما اعتبره حاكم مصر مبلغا هائلا وضخما لا يقدر عليه بعد ما أنفقته مصر على حفر وافتتاح قناة السويس وما أمر هو أيضا بإنفاقه على تحديث مصر.. بصرف النظر عن الأولويات، وهو ما أوقع البلاد بعد ذلك في الديون كما هو معروف. وكان أن اعتذر إسماعيل لبارتولدي مقدرا له حبه لمصر وحماسته لتمجيد المكانة العالمية لقناة السويس.
‍كانت هناك في ذلك الوقت صداقة متينة تربط بين الشعبين الفرنسي والأمريكي، وكان هناك ما يبررها؛ لأن الفرنسيين وقفوا إلى جوار الأمريكيين في نضالهم ضد الإمبراطورية البريطانية -المنافس التقليدي لهم- والتي كانت تتمسك بالسيادة على مستوطنات أمريكا باعتبارها من مستعمراتها ووقفت في وجه كل محاولات استقلالها، واعتبرت إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776 "وثيقة خيانة".
وبادل سكان الولايات المتحدة "الوليدة" يومها هذه المشاعر الفرنسية المتعاطفة معهم بمثلها، لا سيما أن هناك مقاتلين فرنسيين ذهبوا إلى أمريكا للقتال معهم في سبيل الحرية والاستقلال. ولا شك أن اندلاع الثورة الفرنسية في 1789 أدى إلى تنامي علاقات الصداقة بين الثورتين.
كان من الطبيعي أن يفكر الفرنسيون في شيء كبير وله قيمة يشاركون به في مناسبة احتفال الأمريكيين بمرور مائة عام على استقلالهم، أي في عام 1876.
ولكن واحدا بعينه فقط من كبار الشخصيات الفرنسية، وهو المؤرخ والمفكر الفرنسي البارز إدوار دي لابولاي، هو الذي شغله هذا الخاطر مبكرا، ورأى أنه لا بد من الاستعداد له قبل حلول التاريخ المذكور بفترة كافية، فاقترح في عام 1871 على مجموعة من زملائه وأصدقائه إعداد مشاركة فرنسية متميزة في احتفالات الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى استقلالها المائة.
كان من بين الحاضرين بارتولدي الذي كان يحتفظ بتصميم التمثال ولا يجد الجهة المناسبة لوضعه موضع التنفيذ؛ فاقترح تنفيذ فكرته الخاصة بتمثال الحرية، وبعض المصادر تجعل لابولاي نفسه هو صاحب الاقتراح من البداية وتغفل تماما -ربما عن قصد- قصة عرض التصميم أولا على الخديوي إسماعيل ليقام التمثال على مدخل قناة السويس في مصر.


تحمس لابولاي لفكرة تمثال الحرية، وتحمس الحاضرون؛ ولأن التكاليف المرتقبة كانت باهظة كان لا بد أن يؤسس لابولاي "الاتحاد الفرنسي الأمريكي لتمويل المشروع". ولكن توفي لابولاي قبل أن يتم المشروع.. فحل محله المغامر المشهور فرديناند ديليسبس الذي ارتبط اسمه بمشروع قناة السويس، كما توفي المهندس الفرنسي يوجين-إيمانويل فيوليه -لو-دوك الذي كان مكلفا بإنجاز بعض نواحي المشروع الفنية، وبالذات تصميم الإطار الذي يضم دعامات الصلب الضخمة للتمثال، فكان أن حل محله في ذلك المهندس الفرنسي الأشهر ألكسندر جوستاف إيفل المشهور بتصميمه لبرج إيفل الذي يحمل اسمه حتى الآن في باريس، وصار من أشهر معالم الدنيا أيضا.
الطريف أنه مع حلول الذكرى المئوية الأولى لاستقلال الولايات المتحدة، لم يكن قد أُنجز من التمثال سوى اليد اليمنى فقط، ولكن حماسة الجانبين للفكرة أدت إلى إرسال هذه اليد اليمنى إلى الولايات المتحدة، حيث عرضت في معرض بفيلادلفيا في مناسبة العيد المئوي، ترقبا لاكتمال المشروع في وقت لاحق.

"تبرعوا لإنشاء تمثال الحرية"!
--------------------------------
واجه تنفيذ المشروع عقبات كثيرة، كان من أهمها تمويل تكاليفه الضخمة، وكان الجانبان الفرنسي والأمريكي قد اتفقا على تقاسم التكاليف، بحيث يتحمل الفرنسيون نفقات بناء التمثال نفسه، على أن يتحمل الأمريكيون تكاليف إنشاء القاعدة، وهي لمن لا يعرف بناء ضخم ومكلف جدا أيضا.
ولجأ الجانبان لكل السبل الممكنة للتمويل، من تبرعات وضرائب وحملات دعائية وترويجية، ونجح الفرنسيون في تغطية ما يخصهم، واكتمل صنع التمثال في فرنسا في يوليو 1884، ولكن الأمريكيين هم الذين وقعوا في حيص بيص! وذلك لأن التمثال تم بالفعل شحنه إلى أمريكا بعد تفكيكه ووضع داخل 214 صندوقا تضم 350 قطعة ووصل إلى ميناء نيويورك في يونيو 1885 على متن الفرقاطة الفرنسية Isere؛ كل ذلك والقاعدة لم تكتمل!.
ولما لم يكن من الممكن عمليا إقامة التمثال دون القاعدة التي ستحمله، ولم يكن لدى الحكومة الأمريكية أموال كافية، فقد سارع جوزيف بوليتزر (الذي يحمل اسمه أكبر وأشهر جائزة أدبية في أمريكا حتى الآن) لنشر افتتاحية في صحيفتهThe World جعل عنوانها "العار الوطني".. قال فيها إنه سيكون من العار على نيويورك والولايات المتحدة أن تقدم لها فرنسا هدية فتكون عاجزة عن إقامة قاعدة لها.
وكانت هذه الافتتاحية بداية حملة للاكتتاب الوطني العام لهذا الغرض، وتمكن بوليتزر خلال أربعة أسابيع فقط من جمع 25 ألف دولار، وكان يشجع المتبرعين بنشر أسمائهم في لوحة للشرف في جريدته. واستمر الاكتتاب والتبرعات -والتمثال قابع في الصناديق منذ وصوله- لما يقرب من عام كامل!
اكتمل التمويل الأمريكي لبناء القاعدة في أغسطس 1885، وتم وضع آخر حجر في القاعدة يوم 22 إبريل 1886، وهكذا لم يعد باقيا وقتها سوى الانخراط في العمل بهمة وجدية لإعادة تركيب التمثال ونصبه فوق قاعدته.
في احتفال مهيب وكبير أقيم في نيويورك في 28 أكتوبر 1886، وبحضور نخبة من كبار الشخصيات الفرنسية والأمريكية، قام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وهو الرئيس جروفر كليفلاند، بتدشين التمثال رسميا، وألقى كلمة أعلن فيها بالنيابة عن الشعب الأمريكي قبوله لهذه الهدية العظيمة المقدمة من الشعب الفرنسي الصديق، قائلا: "لن ننسى أن الحرية قد اتخذت لها بيتا هنا..."!
وفي عام 1892، تم افتتاح جزيرة إليس Ellis الملاصقة لجزيرة بيدلوز لتكون محطة الوصول الرئيسية للمهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة، وبالفعل استقبلت هذه الجزيرة -التي صارت الآن مزارا أيضا- وعلى مدى 32 عاما فقط ما يزيد على 12 مليون مهاجر كان أول ما تقع عليه عيونهم لتحيتهم والترحيب بهم وهم يلجون إلى العالم الجديد من خلال ميناء نيويورك هو مشهد هذه السيدة الشامخة "السيدة ليبرتي" Lady Liberty!
إحصائيات.. وأرقام.. وطرائف
- ارتفاع التمثال من الكعب للرأس 33.86 مترا.
- ارتفاعه من القاعدة حتى الشعلة 46.05 مترا.
- ارتفاعه من الأرض حتى أقصى طرف الشعلة 92.99 مترا.
- طول اليد 5 أمتار.
- طول الإصبع السبابة 2.44 متر.
- طول الرأس من الذقن إلى الجمجمة 5.26 أمتار.
- طول الأنف 1.37 متر.
- وزن النحاس في التمثال 31 طنا.
- وزن القاعدة الخرسانية 27 ألف طن.
- الوزن الإجمالي للصلب في التمثال بكامله 125 طنا.
- توجد تماثيل أخرى تحمل نفس الاسم "تمثال الحرية" في بلدان أخرى، منها فرنسا وإيطاليا ولاتفيا والهند وسان مارينو
...تابع القراءة

العز بن عبد السلام ...عالم نتذكره وقت ان عز العلماء ...



يعد العز بن عبد السلام أعظم رموز مقاومة العلماء العاملين المخلصين للحكام فى التاريخ الإسلامى، فقد سجل له التاريخ من المواقف ما لم يكن معهودا قبله ولم يجرؤ على تكراره أحد بعده، لقد بات كل المعارضين على مدار التاريخ الإسلامى والواقع والمستقبل عيالا على العز بن عبد السلام وشجاعته وقوته فى الحق، وقد بدأت معارضاته للطغاة عندما تحالف الصالح إسماعيل حاكم دمشق مع الصليبيين، ليساعدوه على الصالح نجم الدين أيوب ابن أخيه، حاكم مصر، وقد سلمهم قلعة صفد وقلعة الشقيف، وصيدا، ودخل الصليبيون دمشق فى عام 638هـ لشراء السلاح لقتال حاكم مصر -كما يروى الصلابى وعليه سيكون الاعتماد- فسُئل الشيخ العز عن بيع السلاح للفرنج، فقال: يَحْرم عليكم مبايعتهم، لأنكم تتحققون أنهم يشترونه، ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين. ثم صعد الشيخ العز منبر المسجد الأموى الكبير، كما يروى السبكى فى «طبقات الشافعية» وذمَّ موالاة الأعداء، وقبّح الخيانة وذمَّ الأعمال الشائنة التى حصلت، وشنَّع على السلطان، وقطع الدعاء له بالخطبة وصار يدعو أمام الجماهير بما يوحى بخلعه والاستبدال به، ويقول: اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رَشَدا، تُعِزّ فيه وليَّك وتُذِلّ فيه عدوك ويُعمل فيه بطاعتك ويُنهَى فيه عن معصيتك. والناس يبتهلون بالتأمين والدعاء للمسلمين، والنصر على أعداء الله الملحدين.
وكان الملك الصالح إسماعيل خارج دمشق، فلما وصل إليه الخبر أحسَّ بالخطر الذى يحدق به والثورة المتوقعة عليه، فسارع إلى إصدار أمر كتابى بعزل الشيخ العز من الخطابة والإفتاء وأمر باعتقاله، واعتقال الشيخ ابن الحاجب المالكى الذى شاركه الإنكار على فعل السلطان.


ثم توجه الصالح إسماعيل فى حراسة الجيوش الصليبية ليحارب الصالح أيوب حاكم مصر، وحتى يضمن استقرار الأوضاع فى دمشق قبل خروجه أرسل إسماعيل إلى سلطان العلماء بعض أعوانه وأمره أن يتلطف مع الشيخ ويقايضه أن يترك الحديث فى السياسة مقابل الإفراج عنه، قال إسماعيل لرسوله: تتلطَّف به غاية التلطُّف، وتستنزله وتعده بالعودة إلى مناصبه على أحسن حال، فإن وافقك فتدخل به على، وإن خالف، فاعتقله فى خيمة إلى جانب خيمتى، فلما اجتمع رسول السلطان مع سلطان العلماء، شرع فى مسايسته وملاينته، ثم قال له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتقبّل يده لا غير. فقال له: يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدى، فضلا أن أقبّل يده، يا قوم، أنتم فى وادٍ، وأنا فى وادٍ، والحمد لله الذى عافانى مما ابتلاكم به، فقال له: قد رسم لى إن لم تُوافق على ما يطلب منك وإلا اعتقلتك فقال: افعلوا ما بدا لكم، فأخذه واعتقله فى خيمة إلى جانب خيمة السلطان، فأخذ سلطان العلماء يقرأ القرآن، والسلطان يسمع، فقال يوما لملوك الصليبيين: أتسمعون هذا الشيخ الذى يقرأ القرآن؟ قالوا: نعم. قال السلطان، هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته، لإنكاره على تسليمى لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق، وعن مناصبه، ثم أخرجته، فجاء القدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم. فقال ملوك الفرنجة: والله لو كان هذا قسيسنا، لغسلنا رجليه، وشربنا مرقتها».


خاف الملك إسماعيل اضطراب الناس عليه فأخرج العز من سجنه وأمر بإبعاده عن الخطابة فى الجوامع والإفتاء. فترك العزّ الشام وسافر إلى مصر.


وعندما وصل إلى مصر سنة 639هـ، رحّب به الملك الصالح نجم الدين أيوب وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء.
وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، الذين اشتراهم نجم الدين أيوب ودفع ثمنهم من بيت مال المسلمين، واستعملهم فى خدمته وجيشه، وتصريف شؤون الدولة يمارسون البيع والشراء وهو تصرف باطل، لأن المملوك لا ينفذ تصرفه، فأخذ سلطان العلماء لا يمضى لهم بيعا ولا شراء فضايقهم ذلك، وشجر بينهم وبينه كلام حول هذا المعنى فقال لهم بائع الملوك: أنتم الآن أرقَّاء لا ينفذ لكم تصرف، وإن حكم الرق مستصحب عليكم لبيت مال المسلمين، وقد عزمت على بيعكم فاحتدم الأمر، وبائع الملوك مصمّم، لا يصح لهم بيع ولا شراء ولا نكاح، فتعطلت مصالحهم، وكان من جملتهم نائب السلطان الذى اشتاط غضبا، واحمر أنفه، فاجتمع مع شاكلته، وأرسلوا إلى بائع الملوك فقال: نعقد لكم مجلسا، ويُنادَى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعى فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فخرجت من السلطان كلمة فيها غلظة، حاصلها الإنكار على الشيخ -رحمه الله- فى دخوله فى هذا الأمر، وأنه لا يتعلق به.


فلما لم يستطع سلطان العلماء تحقيق العدل عزل نفسه عن القضاء وقرر الرحيل عن مصر، يروى الصلابى فحمل أهله، ومتاعه على حمار، وركب حمارا آخر، وخرج من القاهرة، وما إن انتشر الخبر بين الناس فى مصر، حتى تحركت جموع الناس وراءه، فلم تكد امرأة ولا صبى ولا رجل لا يؤبه إليه يتخلف، لا سيما العلماء، والصالحين، والتجار، وأمثالهم ولسان حالهم يقول: لا خير فى مصر إن لم يكن فيها العز بن عبد السلام وأمثاله. فرُفِعَت التقارير حول هذه الظاهرة إلى السلطان، وكانت التوصيات: متى رحل كل هؤلاء ذهب مُلْكك. فركب السلطان بنفسه، ولحقه واسترضاه، وطيّب قلبه، فرجع بشرط أن يُنادَى على ملوك مصر وأمرائها ويبيعهم، فأرسل إليه كبيرهم -نائب السلطان- بالملاطفة والشيخ لم يتغير، لأنه يريد إنفاذ حكم الله، عندئذ، انزعج نائب السلطان من ذلك وقال: كيف ينادى علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟ والله لأضربنَّه بسيفى هذا، بنفسه فى جماعته. وجاء إلى بيت الشيخ، والسيف فى يده صلت، فطرق الباب فخرج إليه ولد الشيخ، فرأى أمرا جلدا، فعاد إلى أبيه، وأخبره الحال، فقال لولده فى ثبات وتواضع: يا ولدى، أبوك أقلُّ من أن يُقْتل فى سبيل الله؟ فلما رآه نائب السلطان، اهتزت يده وارتعدت فرائصه وسقط أرضا، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له قائلا: يا سيدى! خيرا، أى شىء العمل؟ فقال الشيخ: أنادى عليكم وأبيعكم. قال نائب السلطان: ففيمَ تصرف ثمننا؟ قال الشيخ: فى مصالح المسلمين. قال نائب السلطان: من يقضيه؟ قال الشيخ: أنا. وأنفذ الله أمره على يد الشيخ -رحمه الله- فباع الملوك مناديا عليهم واحدا تلو الآخر، وغالى سلطان العلماء فى ثمنهم وقبضه وصرفه فى وجوه الخير التى تعود بالنفع على البلاد والعباد، وبعدها عُرف الشيخ العز بـ«بائع الملوك» واشتهر أمره فى الآفاق.


ومن عجائب شجاعته أمام السلاطين أن دخل سلطان العلماء العز بن عبد السلام يوم العيد القلعة، والسلطان نجم الدين أيوب بن الكامل فى زينته، وجنوده بين يديه، وأمراء الدولة تقبّل الأرض له، فالتفت سلطان العلماء إليه مناديا باسمه المجرَّد: يا أيُّوبُ، ما حُجتُك عند الله، إذا قال لك: ألم أُبَوّئ لك مصر، تبيح الخمور؟ فقال أيوب: هل جرى هذا؟ فرفع الشيخ عز الدين بن عبد السلام صوته: نعم، الحانة الفلانية تُباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب فى نعمة هذه المملكة. فقال: سيّدى هذا أنا ما عملته، هذا من زمن أبى، فأجابه الشيخ عز الدين: أنت من الذين يقولون: «إنا وجدنا آباءنا على أمة» فأمر السلطان بإغلاق تلك الحانة.


تعجب تلاميذه من شجاعته فسأله تلميذه الباجى: يا سيدى، كيف الحال؟ فقال الشيخ -رحمه الله-: يا بنى رأيته فى تلك العظمة، فأردت أن أهينه، لئلا تكبر نفسه، فتؤذيه فقال تلميذه، أما خفته؟ قال الشيخ والله يا بنى، استحضرت هيبة الله، فصار السلطان قدامى كالقط.


ولم تتوقف عجائب الشيخ الجليل سلطان العلماء وبائع الملوك عند ذلك الحد، فحين هاجم التتار البلاد الإسلامية ودمروا بغداد، وأبادوا المسلمين وعظم خطرهم على العالم الإسلامى استشاره السلطان قطز بأمر المملكة وحرب التتار قال رحمه الله: أخرجوا وأنا ضامن لكم على الله النصر، فقال السلطان له: إن المال فى خزانتى قليل، وأنا أريد أن أقترض من أموال التجار ما أستعين به على قتال التتار، فقال: إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على الإمام قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط أن لا يبقى فى بيت المال شىء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص المذهَّبة، والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوب وسلاحه ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقائه فى أيدى الجند من الأموال والآلآت الفاخرة فلا، وكان فى مجلس السلطان كبار العلماء والفقهاء والقضاة فأيدوا ما ذهب إليه ابن عبد السلام، فنفذ الملك والأمراء والجند فتوى العز وامتثلوا أمره، فأحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلى نسائهم، وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئا فى الباطن، ولما جمعت هذه الأموال وضُربت سكت، وأنفقت فى تجهيز الجيش، ولم تكفِ هذه الأموال نفقة الجيش أخذ السلطان قطز دينارا واحدا من كل رجل قادر فى مصر، فجمع المال اللازم وأنزل الله نصره على عباده المؤمنين، وهزم التتار فى عين جالوت سنة 658هـ.


وبعد عمر مديد ناهز ثلاثة وثمانين عاما فى الجهاد فى سبيل الله ونصرة الإسلام ونشر دعوته، توُفى العز بن عبد السلام فى العاشر من جمادى الأولى سنة 660هـ
...تابع القراءة

( الشيخ محمد السادات) صفحة مضيئة من تاريخ مصر

 
منزل الشيخ محمد السادات بالقاهرة 1900

الشيخ "محمد السادات"
----------------------------
من أكبر الشيوخ مقاماً وأعظمهم شأناً وأوسعهم جاهاً وثروة، وأعزهم منزلة بين الناس لأخلاقه الكريمة ولنسبه الشريف، حيث كان ينتمي للسادة الأشراف من سلالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد أن وصلت الحملة الفرنسية إلى القاهرة، واستقرت الأوضاع لـ"نابليون" فيها، قام بتشكيل (الديوان)، وهو مجلس يمكننا أن نشبهه بمجالس الحكم الانتقالي في زماننا الحالي، وكان هذا الديوان يتكون من 9 أعضاء من شيوخ الأزهر، وكانت مهمته هي الوساطة بين شعب مصر و"نابليون"، أي أنه كان مجرد واجهة مصرية لأوامر "نابليون"، وبالمقابل فإن عضوية الديوان كانت منصباً يشار لصاحبه بالبنان، وتكفل عضوية الديوان لصاحبها العز والجاه والنفوذ، ولكن الشيخ "السادات" أعرض عن هذا كله ورفض تكليف "نابليون" له بالمشاركة في الديوان..

وعندما قامت ثورة القاهرة الأولى اتهمه الفرنسيون بأنه كان المحرض الرئيسي عليها، وتوافرت الأدلة على ذلك بالفعل، الأمر الذي كانت عقوبته الوحيدة هي الإعدام، ولكن "نابليون" رأى أن إعدام الشيخ "السادات" سيثير مشاعر الناس ويجعل منه شهيداً، فلم يقتله..

وحين ثارت القاهرة للمرة الثانية في عهد "كليبر"، اتُهم الشيخ "السادات" من جديد بتزعم الثورة، وتذكر "كليبر" تصرف "نابليون" فلم يقتل الشيخ "السادات"، لكنه فرض عليه غرامة باهظة (حوالي 150 ألف فرنك)، فلما رفض أن يدفعها أمر بسجنه في القلعة، وكان ينام على التراب، ويمشون به على قدميه في شوارع القاهرة، ويضربونه صباحاً ومساءً بالعصا، وحبسوا أتباعه وخدمه، وأرادوا أن يقبضوا على زوجته وابنه فلم يجدوهما، فعذبوا خادماً للشيخ "السادات" عذاباً شديداً حتى دل الفرنسيين على مكانهما، فقبضوا عليهما، وسجنوا الشيخ "السادات" مع زوجته في زنزانة واحدة، فكانوا يضربونه أمامها وهي تبكي، وهاجموا داره ففتشوها ونهبوا ما كان فيها من مال ومتاع بل وحفروا أرضها للبحث عما فيها من سلاح وأموال، وبعدها أفرجوا عنه فبل أن يعودوا ويعتقلوه في القلعة مرة أخرى لخمسين يوماً ولم يفرجوا عنه ثانية إلا بعد أن دفع كل ما طلبوه منه، وبعد أن صادروا جميع ممتلكاته، وحددوا إقامته في منزله وشرطوا عليه ألا يجتمع بالناس إلا بإذنهم..

وقد مرض ابن الشيخ "السادات" وهو في السجن فلم يخرجه الفرنسيون ليراه، ثم مات فأذنوا له بالسير في جنازته وهو تحت الحراسة ثم عادوا به إلى السجن من جديد.. ويذكر "نابليون بونابرت" في مذكراته أن هذه المعاملة المهينة التي عامل بها "كليبر" الشيخ "السادات" كانت السبب الرئيسي في اغتياله بعد ذلك على يد "سليمان الحلبي"..

ولم يكن موقف الشيخ "السادات" المعادي للفرنسيين لمجرد أنهم أعداء محتلون للوطن، ولكنه كان موقفا عاما ضد الظلم والطغيان التزمه الرجل طوال حياته مهما كلفه هذا..

فعندما أمر "نابليون" مثلاً بعزل واعتقال قاضي القضاة التركي في مصر "ملا زادة" لم يتصدّ له أحد إلا الشيخ "السادات" لا حباً في الأتراك بقدر ما هو نابع من كرهه للظلم، فنجده يقف في وجه الوزير التركي "حسن باشا الجزايرلي" حين أوفدته الدولة العثمانية سنة 1786 م إلى مصر لمحاربة المماليك واستعادة سلطتها المطلقة في مصر، فقد أسرف "حسن باشا" فٍي الطغيان واستباح أموال المماليك وقبض على نسائهم وأولادهم وأمر ببيعهم في أسواق الرقيق، زاعماً بأنهم ملك لبيت المال، فذهب إليه الشيخ "السادات" وقال له: "أأنت أتيت إلى هذا البلد وأرسلك السلطان لإقامة العدل ورفع الظلم كما تقول أم لبيع الأحرار وأمهات الأولاد وهتك الحرمات؟"، فقال "حسن باشا": "هؤلاء عبيد لبيت المال"، فأجابه "السادات": "هذا لا يجوز ولم يقل به أحد"، فغضب الباشا على "السادات" وهدده بأن يبلغ السلطان معارضته لأوامره، فلم يعبأ "السادات" بتهديده وأصر على معارضته حتى أفحمه وأجبره على تغيير رأيه..

كان "السادات" في موقفه هذا معارضاً لسياسة الدولة العثمانية ومتحدياً مبعوثها، ومؤيداً المماليك الذين كانت تعدهم الدولة من العصاة، ووقف كذلك في وجه "حسن باشا" عندما صادر أموال الأمراء المماليك، فقد فر زعماؤهم من القاهرة إلى الوجه القبلي حتى لا يبطش بهم "حسن باشا"، وأودع "إبراهيم بك" عند "السادات" أمانات ثمينة، فعلم بذلك "حسن باشا"، فأرسل يطلب هذه الودائع، فرفض بحزم أن يسلمها وقال له: "إن صاحبها لم يمت، وقد كتبت على نفسي وثيقة بذلك فلا أسلمها ما دام صاحبها على قيد الحياة"، فكاد "حسن باشا" يقتله لولا أن خشي من نفوذه ومنزلته بين قومه..

وقف الشيخ "محمد السادات" هذا الموقف وهو أعزل لا سلاح معه إلا سلاح الحق، وقاوم إرادة وزير من وزراء الدولة جاء على رأس جيش ليعيد مصر إلى سلطة الدولة العثمانية، ولا يقف مثل هذا الموقف وخاصة في ذلك العصر إلا من كان على درجة كبيرة من الشجاعة، فنجد "الجبرتي" يقول عن الشيخ "السادات": "فاشتد غيظ "حسن باشا" منه، وقصد البطش به فحماه الله منه ببركة الانتصار للحق، وكان الباشا يقول لم أرَ في جميع الممالك التي دخلتها من تجرأ على مخالفتي مثل هذا الرجل..".
...تابع القراءة

الاثنين، 8 أبريل 2013

جنيه إدريس أفندي



في الثامن من ديسمبر عام 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر وبعد أربعة وعشرين ساعة فقط من إعلانهم هذه الحماية تم خلع خديوي مصر عباس حلمي الثاني الذي كان في زيارة لتركيا أيامها وتنصيب الامير حسين كامل سلطانا على مصر وانتهى عصر الولاية العثمانية على مصر وظل السلطان حسين كامل على العرش حتى أصيب بمرض خطير وعلى فراش الموت رشح ابنه الامير كمال الدين حسين خلفا له.
وكان الامير كمال الدين رجلا زاهدا انطوائيا عازفا عن السلطة دائم الاكتئاب فاعتذر عن قبول منصب السلطان ورفض بإصرار تولى عرش مصر وهنا تفجر الصراع بين أمراء محمد على. كل يمني نفسه بالسلطنة ويطمع في العرش الخالي" الامير محمد على شقيق الخديوي عباس والامير يوسف كمال والامير حيدر فاضل والامير عمر طوسون والامير عمر إبراهيم والامير عباس حليم والامير إسماعيل داود."
وكان الامير أحمد فؤاد الاخ الاصغر للسلطان حسين كامل أخر من كان يمكن توليته عرش مصر فلم يكن له وزن بين الامراء وكان يتمتع بكراهية خاصة من المصريين ولم تكن له شعبية وكان يتكلم الايطالية أفضل من العربية وعاش طفولته وصباه في إيطاليا وظل أكثر من اثنين وعشرون عاما صعلوكا فقيرا دائم الاستدانة مائدته مليئة دوما بالنساء.


وكان إدريس الاقصري يعمل في معية هذا الامير وقال له ذات يوم أبشر "لقد حلمت بأنك ستكون ملك مصر وستلبس التاج وتجلس على العرش".
هنا نهض الامير فؤاد وضحك ووعد إدريس خيرا أن تحقق حلمه وكان حلما بعيد المنال وكان الانجليز وراء الكواليس يبحثون عن صعلوك يولونه عرش مصر ويدير دفة الحكم لصالحهم ووجدوا في فؤاد ضالتهم فهو الوحيد من وجه نظرهم الذي يمكن أن يخدم إمبراطوريتهم ويحركونه كما يشاءون فنصبوه في غفلة من التاريخ سلطانا على مصر ثم ملكا عليها وجعلوا الملك وراثيا في أسرته.
وتحقق حلم إدريس أفندي الاقصرى وكافأه الملك فؤاد أعظم مكافأة حيث وضع صورته على أول جنيه مصري من العملة الورقية يطبع باسم المملكة. والذي عرف بجنيه إدريس أفندي وهو من أندر العملات في مصر والعالم وزيادة على ذلك التخليد منحه لقب الباكوية وأصبح إدريس بك وظلت صورة إدريس الاقصري على العملة المصرية شاهدا على حكم عصر أسرة محمد على وعاش إدريس بك حتى شهد نهاية حكم فؤاد وفاروق واحمد فؤاد الثاني وعاصر ثورة يوليو التي وضعت سطور النهاية للملكية في مصر

...تابع القراءة

السبت، 6 أبريل 2013

رينالد هنري شايتون (أرناط )

 
الصورة من مخطوط صليبى يظهر ارناط

توجه أرناط (واسمه الحقيقي رينالد بن هنري من شايتون)، ومعروف عند العرب باسم أرناط، إلى الأرض المقدسة، حسب اعتقاده لتحريرها من يد المسلمين في عام 1147م ووضع نفسه أولاً تحت إمرة الملك بالدوين الثالث في القدس وبعد ذلك تحت إمرة كونستانز أميرة أنتيوخ، التي مات زوجها في عام 1149م، ووقعت هذه في حب أرناط وتزوجته في عام 1153م، وبزواج أرناط منها أصبح أمير أنتيوخ.

كان أرناط شجاعاً حتى التهور، عنيفاً كالثور. كان يعامل الأبرشية بوحشية لابتزاز المال الذي هو كل هدفه في الحياة. وبتحريض من الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومنينوس، هاجم أرناط سيلسيا الأرمنية (جنوب شرق الأناضول)، لكن بعد ذلك عقد اتفاق سلام مع نوروس الثاني من سيلسيا وشاركه باجتياح جزيرة قبرص البيزنطية عام 1156م، إلا أن مانويل انتقم في 1159م عندما خضع أرناط كتابع له.

بعد سنة أسر المسلمون أرناط (1160 – 1176م) في سورية. بعد سجن أرناط لمدة 16 سنة، خرج ليجد أن زوجته توفيت في عام 1163م، تاركة الإمارة لبومند الثالث ابن زوجها الأول، فقفل عائداً إلى القدس حيث توج الملك بلدوين الرابع ملك لمملكة بيت المقدس الإفرنجية في عام 1177م.

تزوج أرناط من ستيفاني أرملة لورد أوتر جوردن (لورد منطقة شرق وجنوب البحر الميت)، ليصبح أمير صحراء الكرك والشوبك ومونتريال.

كان الملك بلدوين الرابع قد وقع هدنة مع صلاح الدين الأيوبي، تحددت مدتها بسنتين، بدأ من أيار عام 1180م. وكان من شروط الهدنة حرية التجارة للمسلمين والمسيحيين وحرية اجتياز أي من الطرفين بلاد الطرف الآخر. لكن أرناط لم يقبل أن تمر قوافل المسلمين حاملة الثروات والأموال من منطقته بدون مقابل.

في صيف عام 1181م خرج أرناط مع قوة كبيرة، متجهاً إلى تيماء، على الطريق التجاري بين دمشق والمدينة ومكة، حيث سطى على قافلة عربية واستولى على كل ما تحمله من ثروة وأسر من فيها، منتهكاً هدنة 1180م.

قام صلاح الدين بمراسلة بلدوين الرابع بغضب مذكراً إياه بالهدنة وطالباً التعويض. فقام بلدوين الرابع بمخاطبة أرناط في الأمر، فرفض أرناط طلبه.

استطاع المسلمون أن يأسروا أكثر من 2500 حاج فرنجياً كانت سفنهم قد جنحت إلى مصر، وكانوا في طريقهم إلى بيت المقدس. وأمر صلاح الدين بحبسهم ثم راسل بلدوين عارضاً إطلاق سراحهم مقابل السلع والسبي التي نهبها أرناط. فرفض أرناط المبادلة، واندلعت الحرب في شباط عام 1183م.

دعا أرناط فرسان الصليب للسيطرة على مكة والمدينة. بغرض إلهاء صلاح الدين عن القدس، أرسل بعضاً من رجاله لهذه المهمة، مما اضطر صلاح الدين لإرسال جيش من دمشق لإيقافهم.

قطع أرناط أشجار غابات الكرك ومعظم نخيل العريش وحمله إلى قلعة الكرك، حيث طلب من الرهبان صنع بعض المراكب. وطلب من صليبية عسقلان صنع البعض الآخر، منشئاً أسطولاً من خمس سفن حربية كبيرة. وعدد كبير من المراكب الصغيرة والخفيفة.

قام أرناط بنقل المراكب مفككة على الجمال إلى ساحل البحر الأحمر. ثم ركّب المراكب ودهنها بالقار الأسود، وجهزها بالرجال والآليات القتالية. وخصص مركبين لمحاصرة جزيرة قلعة أيلة،مانعاً السكان من الوصول إلى مصادر مياه الشرب، فيما أكمل باقي الأسطول طريقه إلى عيذاب، ووصل بعضهم إلى باب المندب وعدن.

أحرق الأسطول ستة عشر مركباً للمسلمين، واستولى على مركب لنقل الحجاج في عيذاب، كما استولى على مركبين محملين بتجارة وبضائع من اليمن، ودمر مؤن الحجاج في ساحل عيذاب.

بعث صلاح الدين إلى مصر لبناء أسطول في مصر والإسكندرية، وقام قائد الأسطول حسام الدين لؤلؤ يحمل المراكب مفككة على الجمال وأشرف بنفسه على تحميلها في كانون الثاني عام 1183م، وأحضر رجالاً من المغرب لهم خبرة بحرية للعمل على المراكب.

قام لؤلؤ الأسطول قسمين الأول غادر قلعة أيلة.والقسم الثاني ذهب إلى عيذاب، لإنجاد المسلمين، ثم عاد لؤلؤ إلى رابغ، ليواجه الصليبيين في ساحل الحوراء.

كان عدد رجال أرناط أكثر من 300 بقليل،كما انضم إليهم بعض العربان. إلا أن هؤلاء تفرقوا لدى وصول لؤلؤ، وقتل معظم رجال أرناط. في حين قام الملك بلدوين الرابع بحماية قلعة الكرك مرتين من انتقام صلاح الدين في عامي 1183 و1184م.

بدأ صلاح الدين بتحضير الجيوش الإسلامية للحرب، والتجهيز على طول منطقتي مصر وسورية، وفي النهاية عقد صلاح الدين هدنة مع بلدوين الرابع، وفي نهاية عام 1186م أعاد أرناط الكرة فسطى على قافلة ضخمة. كانت أخت صلاح الدين من بين من أسر في القافلة، على الرغم من الهدنة التي وقعها بلدوين الرابع مع صلاح الدين.

هذا الأمر سرّع بالتجهيز للحرب، خاصة بعد رفض أرناط مقابلة سفراء صلاح الدين أو الاستماع إلى الملك غي دي لوزيجيان، الذي لم يستطع إجبار أرناط على إعادة البضائع والأسرى بسبب دور أرناط في وصول لوزينجيان إلى الملك.

على أثر ذلك قامت معركة (حطين) الشهيرة بين المسلمين والصليبيين عام 1187م، وهُزم الصليبيون هزيمة حاسمة، وأسر كل من أرناط والملك لوزينجيان، والعديد من أمراء الصليبيين.

بعد انتهاء المعركة، نُصبت لصلاح الدين خيمة ضخمة، وتم إحضار أمراء الفرنجة الصليبيين وملوكهم، وكان من بينهم أرناط وغي دي لوزينجيان إليها، حيث كان صلاح الدين، فأوقف أرناط عن يساره وغي دي لويزنجيان عن يمينه.

طلب صلاح الدين عصير (الجلاب) المثلج، فشرب منه وأعطى غي دي لويزجيان منه ليشرب، فقدم غي دي لوزيجنيان – بعد أن شرب – العصير إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال له: إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه .. هذا لا عهد له عندي.

دخل صلاح الدين إلى خيمة داخل الخيمة الرئيسية واستدعى أرناط. وعند مثوله بين يديه استل سيفه وقطع رأسه (وقد نذر فعل ذلك إن تمكن منه).. وهو يردد: (أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار لأمته). وأرسل رأس أرناط إلى الأمراء الصليبيين وهم في الخيمة.
...تابع القراءة

معركة ديــــــــــــــو البحريـــــــــة:



كان الشرق الأوسط في عهد الدولة العثمانية ممرا تجاريا يربط أسيا بأوروبا وعلى هذا قامت بعض الدول الأوربية بعقد اتفاقيات تجارية مع الدولة العثمانية لكي يتسنى لها المرور بتجارتها .
عقد تحالف تجارى بين السلطان العثمانى بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح حكام البندقية ضمن معاهدة سلام عام 1503م وكانت للدولة العثمانية سيطرة تامة على المنطقة وقد تضمنت هذه المعاهدة أن تدفع البندقية للدولة الإسلامية مبلغا سنويا قدره عشرة ألاف دوكات، ولم ترضى الدول الأوربية عن هذه الإتفاقية .
فحاولوا أن يجدوا طريقا تجاريا أخرا لسلوكه, أو أن يخاطروا في قتال الدولة العثمانية القوية .
شعر المسلمون بان حركة البرتغاليين تضر بمصلحة الدولة الإسلامية.. لان البرتغال بدأوا بإنشاء سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندي بين سنتي 1500-1505 كما تجاوزوا الحد الأحمر باستيلائهم على جزيرة هرمز على مدخل الخليج العربي عام 1507م وغيرها من النقاط الإسلامية الاستراتيجية.
أرسل السلطان قانصوه الغوري سلطان مصر حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين مكونة من ثلاث عشرة سفينة عليها ألف وخمسمائة رجل تحت قيادة حسين الكردي نائب السلطان في جدة, في عام (1505م), حتى وصل إلى جزيرة (ديو) ثم (شول) والتقى مع الأسطول البرتغالي بقيادة (لورنزو دي الميدا) وذلك في عام (1508م) فكان النصر حليفه, وأسفرت المعركة عن مقتل لورنزو ابن القائد البرتغالي فرانسيسكو
عزز البرتغاليون قوتهم و احتلوا المزيد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندي في أول عام (1509م) ومنها غوا ودايول.
استشعر المسلمين الخطر حينما احتل البرتغال مدينة ديو الهندية مما أثر سلبا على التجارة الإسلامية فعقدت المعاهدات بين الدولة العثمانية ومصر, وسلاطين كوجورات و كاليكوت وكوجارت الهنديتين الذي طلب مساعدة الدولة الإسلامية إضافة إلى مدينة البندقية وتم إرسال أسطول مشترك من هذه الدول بمساعدة تقنية بحرية من البندقية (جمهورية دوبروفنيك وتقع في الطرف الجنوبي لكرواتيا ).
وصلت القوة الجديدة إلى حسين الكردي حيث أصبح العدد 16 سفينة, وباغت البرتغاليون الأسطول في الثالث من فبراير عام 1509م وشنوا هجوما غير متوقع على الأسطول الإسلامي مما أدى إلى تدمير الأسطول فكانت معركة ديو البحرية حاسمة. وكانت الحصيلة النهائية للمعركة، على مستوى الخسائر البشرية 32 قتيلاً و300 جريحاً برتغالياً، فيما وصل عدد الشهداء من المسلمين إلى 1500 تقريباً، بيد أن خسارة المسلمين الحقيقية لا يمكن قياسها بعدد القتلى فقط .
كانت سفن المسلمين من الطراز الخفيف ( الداو ) لا تحمل أكثر من مدفعين أو ثلاثة مدافع في مقدمتها، وكان الجنود مسلحون بالسيوف والرماح والأقواس والبنادق، و شناكل لجر سفن العدو وأوعية نارية لإلقائها وهي تشتعل وكانت سفن البرتغاليون أضخم وأفضل تسليحاً وقد ساعدت حالة هيجان البحر فى هزيمة سفن المسلمين الخفيفة التى تلاعبت بها الأمواج العاتية

كانت معركة ديو معركة فاصلة وكانت إيذاناً بانتهاء سيطرة المسلمين على خطوط التجارة البحرية مع أسياحيث تعتبر واحدة من أهم المعارك البحرية في التاريخ وبهزيمتنا فيها شرع البرتغاليون في احتلال الموانئ الإسلامية الرئيسية واحتكار البحر لمدة 100 عام.

هناك معلومة غير ذائعة وهي أن أحد المصابين البرتغاليين في معركة ديو كان الشاب الذي أصبح فيما بعد أول من دار حول الأرض(( فرنياو دي ماگـَـلهـَيس )) والمعروف أيضاً باسم فرديناند ماجلان.

غنائم المعركة تضمنت ثلاث رايات ملكية لسلطان مصر, وقد أرسلت للبرتغال وهن معروضات حتى اليوم في دير المسيح (كونڤنتو كريستو) Convento de Cristo، في مدينة تومار، المعقل الروحي لفرسان المعبد !!!!!
...تابع القراءة