الأحد، 3 فبراير 2013

السلطان حسن والست مسكة..والمصير المجهول

مسجد السلطان حسن

لانعلم من تاريخ السلطان حسن وسيرته الا مسجده المطل على ميدان القلعة تلك التحفة المعمارية التى اشاد بها المؤرخون والمستشرقون والرحالة
فالمقريزى يقول: انه لايعرف فى بلاد الاسلام معبدا من معابد المسلمين يحاكى هذا الجامع وقبته التى لم يبن مثلها فى ديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن .
ويذكر جومار فى كتابه وصف مصر: أن جامع السلطان حسن من أجمل مبانى القاهرة والاسلام وانه يستحق ان يكون فى المرتبة الاولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية وارتفاع مئذنته وعظيم اتساعه وفخامته وكثرة زخارفه التى تكسو الارض والجدران والابواب ..
وقال عنه المصور العالمى لينوار : انه يشرف على القاهرة كلها ويعد اسلوب بنائه من أرقى الاساليب المعمارية ومساحته رحبة عظيمة ويعتبر أجمل جامع فى الشرق كله بلا منازع.
ووصف المؤرخ ابن تغرى بردى المسجد فقال:
انه من عجائب الدنيا وانه جامع ومدرسة وهو احسن بناء شيد فى الاسلام.
وقال عنه الرحالة المغربى الورثيلانى الذى زار مصر فى القرن الثانى عشر الهجرى انه مسجد لاثانى له فى مصر ولا فى غيرها من البلاد ولامثيل ,له فخامة البناء وارتفاعه وأحكامه واتساع حناياه ...فالرياح تصفق بأبوابه فى ايام الشتاء كما تفعل فى شواهق الجبال .
هكذا يرى الجميع مسجد السلطان حسن ...فمن هو السلطان حسن؟
كان جده سلطانا على مصر وكان أبوه سلطانا وله ستة أخوة سبقوه فى العمر والسلطنة ايضا ..
هو السلطان حسن بن محمد بن قلاوون..

كان السلطان حسن صبيا فى الثالثة عشر من عمره عندما قتل فجأة أخوه سلطان المماليك (المظفر حاجى) وبدون ترتيب مسبق اجتمع امراء المماليك واتفقوا على ان يكون السلطان حسن هو السلطان الجديد وبحثوا عنه فى قصور القلعة ووجدوه فى قصر الحريم....
فأتوا به وكما تعود المماليك قبلوا الارض بين يديه وبايعوه بالسلطنة ..وهو لايدرى من الامر شيئا ..فشكل الامراء مجلس وصاية يتولى شئون الدولة حتى يبلغ السلطان حسن سن الرشد ...
والنتيجة كانت ظهور الفساد وانتشار الرشوة وفرض الاتاوات وقطع الطريق .
ثم ظهر وباء الطاعون وانتشر فى الديار المصرية واستفحل وعظم امره كما يقول ابن اياس :
حتى صار يخرج من القاهرة فى كل يوم نحو عشرين ألف جنازة وقد تم حصر من مات بمرض الطاعون فى شهرى شعبان ورمضان سنة تسعة واربعون وسبعمائة من الهجرة فكان نحو من تسعمائة ألف انسان حتى أن الناس من عظم الموقف صنعت التوابيت والدكك لتغسيل الموتى حسبة لوجه الله تعالى بغير أجر . انتهى كلام ابن اياس.
فى هذه الظروف بلغ السلطان حسن سن الرشد ستة عشر عاما فأخذ يدير شئون البلاد بنفسه وكان أول مافعل هو القبض على بعض الامراء وأرسلهم الى السجن بالاسكندرية فأخذ بقية امراء المماليك وكبرائهم يتحسبون منه ويتوقعون أن تدور عليهم الدائرة ..

فتامروا عليه وتامر عليهم
تمارض السلطان وأعلن ان وعكة اصابت السلطان وانتظر السلطان قدوم الامراء للاطمئنان عليه ومن ثم القبض عليهم والانتهاء من أمرهم ..لكنهم علموا بما دبر وعزم عليه ..فاتفق الامراء على خلعه وأنابوا للقبض عليه أقواهم شكيمة وهو الامير (صرغمتش) الذى صعد القلعة وبحث عنه حتى ساقته قدماه الى قصر الحريم وألقى القبض عليه فكيف حدث ذلك؟
يقول المقريزى:
طلعوا الى القلعة راكبين ومستعدين للقتال وبحثوا عن السلطان وعرفوا انه مع حريمه وجواريه فى القصر الابلق فتوجهوا الى هناك ودخلوا على السلطان وأخذوه من بين حريمه فصرخت النساء صراخا عظيما وصاحت الست مسكه فى وجه الامير صرغمتش المكلف باعتقاله صياحا شديدا وسبته وشتمته وقالت له فى استنكار (( هل هذا جزاؤه منك ؟)) لكن صرغمتش اخذ السلطان وغطى وجهه وخرج به 
ولم تتركه الست مسكه وأصرت على ملازمته وأن تبقى فى خدمته فى أى مكان يوضع فيه!!!
وسمحوا لها بذلك..فكانت المرأة الوحيدة التى دخلت السجن باختيارها لتكون الى جانب السلطان حسن طوال فترة اعتقاله لتقوم على خدمته !!!!
والست مسكه لم تكن من جوارى السلطان حسن ولم تكن احدى زوجاته وانما كانت امرأة فى عمر جدته ..ومع ذلك فقد كانت ذات شأن كبير فى حياته وحياة ابيه السلطان محمد ابن قلاوون ...
كانت الست مسكة من أصل مغولى وكانت قد جاءت ضمن أسرة الاميرة المغولية (( اشلون خوندا)) التى لجأت الى مصر فرارا من غضب سلطان المغول وكانت فتاة فائقة الحسن والجمال وكان اسمها ((جلشانة)) وهى كلمة فارسية معناها ((مثل الورد )) ولذلك عرفت فيما بعد باسم الست مسكة ..
وتزوج السلطان قلاوون الاميرة المغولية وظلت الست مسكة بجوارها ترعى شئونها ,وعندما أنجبت الاميرة المغولية السلطان محمد بن قلاوون ((والد السلطان حسن)) لم تجد خيرا من الست مسكة لترعى طفلها وتكون مربية له ..
ولعبت الست مسكة دورا كبيرا فى حياة محمد بن قلاوون فكانت بجانبه فى كل النوائب والمحن التى واجهته كما كانت مسئولة عن ترتيب شئون حريم السلطان وعندما مات انتقلت الى خدمة أولاده ..واخرهم كان السلطان حسن الذى لم تتركه عندما اعتقلوه وهو بين حريمه وأصرت على ان تدخل السجن لتكون فى خدمته ..
وقد عاشت الست مسكة فى السجن مع السلطان حسن الى ان ماتت وبقى السلطان وحده فى السجن لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر واربعة عشر يوما خرج بعدها ليتولى السلطنة من جديد 
لاتتعجب انت فى دولة المماليك !!!!!!!!!!

إيوان القبلة في جامع السلطان حسن ويظهر المحراب والمنبر الرخامي


كان الذى دبر عودة السلطان حسن الى الحكم اثنان من كبار امراء المماليك هما :
الامير شيخون والامير صرغمتش الذى سبق له اعتقال السلطان حسن فى القلعة, فاعتقلوا السلطان صالح ووضع فى السجن وأفرج عن السلطان حسن وعاد الى السلطة ولكن بعد ان استوعب الدرس واكتسب الخبرة فى مواجهة صراعات امراء المماليك من حوله.
وفجأة تعرض الامير شيخون للقتل وهو جالس مع السلطان حسن فى دار العدل قتله احد المماليك لانه رفض منحه بعض العطايا فأمر السلطان حسن يقتله ثم تسميره على قطعة من الخشب.
وأزيح بذلك خصم ثقيل من طريق السلطان وجاء الدور على الامير صرغمتش فقبض عليه واقتيد مكبلا بالاغلال الى سجن الاسكندرية حيث مات فيه .. وصفا الجو للسلطان حسن أخيرا.
وكان السلطان حسن من أفضل حكام المماليك فى معاملة المصريين فكان يعمل على ترقيتهم ويقول عنهم:
(( هؤلاء مأمونو العاقبة وهم فى طى علمى وحيث وجهتهم اليه توجهوا ومتى احببت عزلهم امكننى ذلك بسهولة )) وكان من رأيه انهم أكثر رفقا بالرعية وأكثر معرفة بالاحكام.



كانت نهاية السلطان حسن غامضة ولازالت لغزا حتى الان..
فقد عاد امراء المماليك الى صراعاتهم على النفوذ ومنهم الامير ((يلبغا)) الذى كان دائما ينتقد اعمال السلطان ويمهد لمؤامرة ..
وعلم السلطان فأخذ يخطط للتخلص من الامير .
وكانت الخطة التى التى وضعها هى الخروج فى رحلة صيد وأن يصحبه فى هذه الرحلة بعض رجاله الاشداء ...على ان يتم القبض على الامير يلبغا خلال الرحلة ...
وعلم الامير بالخطة فاستعد للمواجهة وخرج الجميع للصيد , ودارت المعركة وسقط الكثير من أنصار السلطان فاضطر الى الهرب وعاد الى القلعة واستمر الامير وأعوانه فى مطاردة السلطان داخل القلعة ..
استعد السلطان للهرب ليلا من القلعة متوجها الى الشام ..
وقيل انه تخفى فى ملابس الاعراب ونزل من القلعة عند الفجر ..واختفى ..
وقيل ان انصار الامير أمسكوا به وقتلوه .. وقيل سلموه للامير فقتله بنفسه ولكن اين الجثة هذا هو اللغز ..
يقال أن الامير يلبغا كان حقده على السلطان حسن كبيرا جدا ولم يجد مايشفى غليله منه سوى أن يضع جثته تحت عتبة بيته لكى يطأه بقدميه عند خروجه وعند عودته 
وكان عمر السلطان حسن يوم اختفائه ثلاثين سنة وبضعة اشهر ....


nourali
المنصورة 
2فبرابر 2013















0 التعليقات:

إرسال تعليق