الأحد، 26 مايو 2013

رأفت الهجان .........من مذكراته


رأفت الهجان ..
بطل عربي مصري
استطاع أن يقهر اليهود حين تمكن من اختراق الكيان الصهيوني لسنوات عدة بعد أن انتحل شخصية رجل يهودي يدعى جاك بيتون استطاع ايضا أن يكشف للمخابرات المصرية أدق التفاصيل في الجيش الاسرائيلي وذلك لأنه كون شبكه تجسس أفرادها من مختلف القطاعات العسكرية الاسرائيلية



ومن أهم اعماله الجاسوسية ..


- تزويد بلاده بمعلومات خطيرة عن حرب يونيو 1967 اهمها موعدها .
- وكان له دور فعال للغاية فى الاعداد لحرب اكتوبر 1973 .
- زود مصر بادق التفاصيل عن خط برليف.
- كما انه كون امبراطورية سياحية داخل اسرائيل ولم يكشف احد امره حتى توفي ..



لم يتوقع احد تلك العاصفة التى هبت داخل اسرائيل بحثا وسعيا لمعرفة حقيقة الشخصية التى اعلنت المخابرات العامة المصرية عام 1988 بانها قد عاشت داخل اسرائيل ل18 سنة امدت خلالها جهاز المخابرات المصرى بمعلومات مهمة كما انها شكلت وجندت داخل المجتمع الاسرائيلى نفسه اكبر شبكه تجسس شهدتها منطقة الشرق الاوسط.


بدايةً، كان الرد الرسمي من جانب المخابرات الإسرائيلية أن تلك المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال، وأن على المصريين أن يفخروا بنجاحهم في خلق تلك الرواية، لكن وتحت ضغوط الصحافة الإسرائيلية صرّح رئيس الموساد الأسبق عيزرا هارئيل بأن السلطات كانت تشعر باختراق قوي في قمة جهاز الأمن الإسرائيلي، "لكننا لم نشك مطلقا في جاك بيتون (الاسم الإسرائيلي للهجان)" وراحت الصحافة الإسرائيلية ومنذ عام 1988 تحاول التوصل إلى حقيقة الهجان أو بيتون أو الجمال، فقامت صحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية بنشر خبر تؤكد فيه أن جاك بيتون أو رفعت الجمال يهودي مصري من مواليد المنصورة عام 1919 وصل إلى إسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الأخيرة عام 1973، واستطاع ان ينشئ علاقات صداقة مع عدد من القيادات في إسرائيل منها غولدا مائير رئيسة الوزراء، وموشي ديان وزير الدفاع.


نبذة مختصرة ..

الاسم الحركي : رأفت الهجان
الاسم الحقيقي :
رفعت علي سليمان الجمال

الاسم في إسرائيل : جاك بيتون
تاريخ بداية المهمة : 1956
الوجهة : إسرائيل
تاريخ نهاية المهمة : 1973

سيرة مختصرة



ولد رفعت علي سليمان الجمال في مدينة دمياط في 1 يوليو (تموز) سنة 1927، كان والده يعمل في تجارة الفحم ووالدته ربة منزل تنحدر من أسرة مرموقة وتجيد اللغتين الإنكليزية والفرنسية، له أخوان شقيقان هما لبيب ونزيهة، إضافة إلى أخ غير شقيق هو سامي. بعد ذلك بسنوات وتحديدا في سنة 1936، توفي علي الجمال والد رفعت، وأصبح سامي المسؤول الوحيد عن المنزل، وكانت مكانته الرفيعة وعمله كمدرس لغة إنكليزية لأخوة الملكة فريدة يؤهلانه ليكون هو المسؤول عن المنزل وعن إخوته بعد وفاة والده. بعد ذلك انتقلت الأسرة بالكامل إلى القاهرة، ليبدأ فصل جديد من حياة هذا الرجل الذي عاش حياة حافلة بالإثارة من دون أن يعرف عنه أحد شيئا إلا بعد موته.


كان رفعت طالبا مستهتراً لا يهتم كثيراً بدراسته على رغم محاولات أخيه سامي أن يجعل منه رجلا منضبطا ومستقيما، كان يهوى اللهو والمسرح والسينما، بل استطاع أن يقنع الممثل الكبير بشارة واكيم بموهبته ومثل معه بالفعل في ثلاثة أفلام, لذا رأى إخوته ضرورة دخوله مدرسة التجارة المتوسطة على رغم اعتراض رفعت على إلحاقه بمثل تلك المدارس. في المدرسة، تعلم أن يتكلم الإنكليزية باللكنة البريطانية، والفرنسية بلكنة أهل باريس. 
في بدايات عام 1943، تزوَّجت شقيقته نزيهة من الملازم أول أحمد شفيق، وانتقلت الأم إلى مدينة دكرنس القريبة من المنصورة، واستعد سامي للزواج من ابنة محرم فهيم، نقيب المحامين في القاهرة آنذاك، وأصبح من الضروري أن ينتقل رفعت مع شقيقه لبيب، الذي أصبح محاسباً في بنك باركليز، إلى شقة أخرى، استأجرها لهما سامي، بالقرب من ميدان لاظوغلي. التقى رفعت بالممثل بشارة واكيم عام 1945، ومنحه دوراً صغيراً في أحد أفلامه، لتتغيَّر بعدها حياته تماماً، فمع الزهو الذي شعر به، مع عرض الفيلم، على الرغم من صغر دوره، بدأ زملاء الدراسة يعاملونه كنجم سينمائي، وأحاطوه باهتمامهم وأسئلتهم وغيرتهم أيضاً، مما ضاعف من إحساسه بالثقة، وساعده في إنهاء دراسته، في صيف 1946، ليعمل مرة أخرى في أفلام الفنان بشارة واكيم، ويلتقي بأول حب في حياته "بيتي". على الرغم من أن مذكرات رفعت تحمل اسم بيتي، التي وصفها بأنها راقصة شابة، مراهقة وطائشة، وتكبره بعام واحد، إلا أن البعض يقول إن المقصود هنا هو الراقصة "كيتي" اليهودية الشابة، التي تورَّطت فيما بعد، مع شبكة جاسوسية أخرى، وفرَّت تحت جنح الظلام من مصر كلها، وانقطعت أخبارها بعدها، ولم تكن علاقة رفعت بالراقصة الشابة عاطفية فحسب، لكنه انتقل للعيش معها في شقتها، مما أثار غضب لبيب، وتسبَّب له في مشكلات عائلية عدة، جعلته يتخلى في النهاية عن بيتي، وعن العمل في السينما، ليتقدَّم بطلب وظيفة لدى شركة بترول أجنبية، على ساحل البحر الأحمر، ويفوز بها بجدارة, بسبب إجادته للفرنسية والإنكليزية بطلاقة. نجح رفعت في عمله إلى حد كبير، وبالذات لأنه يعمل في رأس غارب، على مسافة مائتي كيلو متر تقريبا بعيداً عن القاهرة، التي فر من مشاكله الكثيرة فيها، وحينما قررت إدارة الشركة نقله الى مقر الشركة الرئيس في القاهرة رفض، وترك الوظيفة والشركة.

في تلك الأثناء، انتهز فرصة لقائه برجل أعمال سكندري، ربطته به علاقة وثيقة أثناء عمله، وطلب منه العمل لديه، وانتقل بعدها بالفعل إلى الإسكندرية، وارتبط رفعت برجل الأعمال السكندري هذا ارتباطاً وثيقاً، وشعر في منزله بدفء الأسرة، الذي افتقده طويلاً، بل وخفق قلبه هناك بحب هدى ابنة رجل الأعمال، الذي لم يعترض على نمو تلك العلاقة، بعد أن اعتبر أن رفعت بمثابة ابنه، الذي لم ينجبه أبداً، وكان من الممكن أن ينمو هذا الحب ويزدهر، وينتهي بزواج واستقرار، وأسرة بسيطة وسعيدة، لكن القدر كان يدخر مفاجأة كبيرة لبطلنا، هي بالضبط ما رأيناه وتابعناه جميعاً، على شاشة التليفزيون، في المسلسل الشهير، إذ تحولت عملية نقله الى فرع الشركة في القاهرة إلى عملية احتيال من مدير الفرع الخبيث، وانتهت باتهام رفعت بالاختلاس والسرقة، وعلى الرغم من أن رجل الأعمال السكندري كان يدرك أن رفعت سقط في فخ محكم، إلا أنه اضطر لفصله من وظيفته، تجنباً لإجراء أية تحقيقات رسمية، في الوقت نفسه الذي أوصى فيه بتعيينه كمساعد ضابط حسابات، على متن سفينة الشحن حورس.

غادر رفعت مصر للمرة الأولى في حياته عام 1946 على متن تلك السفينة حورس، التي طاف معها كثيرا بين عدد من الموانئ الأوروبية، فمر على نابولي، جنوى، مارسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة، وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنكليزي لعمل بعض الإصلاحات، وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي الهندية.


حياة مضطربة




أثناء عمله على السفينة وتوقفها في مدينة ليفربول البريطانية، التقى رفعت بالفاتنة جودي موريس، التي ذكَّرته بحبيبته السابقة بيتي، مما دفعه إلى الارتباط بها، ودفعها إلى التعلُّق به، حتى أنها حرّضته على التظاهر بالإصابة بالتهاب الزائدة الدودية، كي لا يرحل مع السفينة حورس، عندما يحين موعد مغادرتها لميناء ليفربول. قضى رفعت بعض الوقت مع جودي بالفعل، بعد رحيل حورس، لكنه لم يلبث أن سئم الأمر كله كعادته، فاستعاد عمله على سفينة الشحن، عند عودتها إلى ليفربول، وعاد إلى مصر في مارس (آذار) 1950، إلا أنه لم يلبث أن عمل على متن سفينة شحن فرنسية، سافر معها إلى مرسيليا، ثم تركها إلى باريس، حيث أجاد اللغة الفرنسية إجادة تامة، واستثمرها في إقامة بعض العلاقات النسائية هناك، والتي كان يرغب في استمرارها إلى الأبد، لولا أنه واجه خطر الطرد من البلاد، لأنه لم يكن يحمل تأشيرة إقامة رسمية. مرة أخرى وبتأشيرة زيارة قصيرة، سافر رفعت إلى بريطانيا، بحجة استشارة الطبيب الذي أجرى له عملية الزائدة، واستقر بها ليعمل هناك في وكالة للسفريات. في تلك المرة أيضاً، ومع النجاح الذي حققه في عمله، كان من الممكن أن يستقر في لندن، ويحصل على إقامة رسمية فيها، بل ويصبح من كبار خبراء السياحة فيها، لولا أنه أثناء قيامه بعقد صفقة لحساب الشركة في نيويورك، تلقى عرضاً من صاحب شركة أميركية، بدا له مناسباً للغاية، فقبله على الفور، من دون تفكير، وقرر الإقامة في الولايات المتحدة الأميركية لبعض الوقت، من دون تأشيرة عمل رسمية، أو بطاقة ضمان اجتماعي خضراء. لعل ذلك أسوأ قرار اتخذه رفعت في حياته، أو أن القدر كان يدخر له بالفعل ذلك الدور، الذي صنع منه حالة فريدة في عالم الجاسوسية، ودفعه إليه دفعاً بلا هوادة، فمنذ اتخذ قراره هذا، اضطربت حياته تماماً. بدأت إدارة الهجرة تطارده، وصاحب العمل تخلى عنه، ووُضع اسمه في القائمة السوداء في أميركا، مما اضطره للهرب إلى كندا، ومنها إلى فرانكفورت في ألمانيا، التي حصل فيها على تأشيرة ترانزيت، باعتبارها مجرد محطة، للوصول إلى النمسا، لكن عبثه أيضاً صنع له مشكلة ضخمة في فرانكفورت، حيث قضى ليلة مع فاتنة شقراء، استيقظ ليجد نفسه بعدها من دون نقود، وجواز سفر أيضاً.




في تلك الفترة كان الكثيرون من النازيين السابقين يسعون الى الفرار من ألمانيا ويشترون لذلك جوازات سفر أجنبية، فاتهم القنصل المصري هناك رفعت بأنه باع جواز سفره، ورفض أن يمنحه وثيقة سفر بدلاً منه، ثم لم تلبث الشرطة الألمانية أن ألقت القبض عليه، وسُجن لبعض الوقت، قبل أن يرحل قسراً، على متن أول طائرة، عائداً إلى مصر.

مع عودة رفعت إلى مصر، من دون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في فرانكفورت وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة، مما دفعه إلى حالة مؤسفة من اليأس والإحباط، لم تنته إلا مع ظهور فرصة جديدة للعمل في شركة قناة السويس, تتناسب مع إتقانه للغات، لكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلى وثائق وأوراق وهوية. في تلك الظروف، لجأ رفعت إلى العالم السفلي الذي يعيش أصحابه ضد القانون، وتعرَّف الى مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم "علي مصطفى"، عليه صورته بدلاً من صورة صاحبه الأصلي، وبهذا الاسم الجديد عمل رفعت في شركة قناة السويس، وبدا له وكأن حالة الاستقرار بدأت.

عندما قامت ثورة تموز (يوليو) 1952، شعر البريطانيون بالقلق بشأن المرحلة المقبلة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه رفعت الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة السويس التي كانت خاضعة وقتها لإدارة فرنسية بريطانية، وحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحافي سويسري، يُدعى تشارلز دينون، والمدهش أن رفعت قضى بعض الوقت، في أحد الفنادق الدولية الكبرى، منتحلاً شخصية دينون، من دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة، أو يُدرك مخلوق واحد ممن يتعامل معهم يومياً أنه ليس صحافياً، بل وليس حتى سويسرياً، بل مجرد شاب مصري، يحمل شيكات سياحية قيمتها اثنا عشر ألف دولار أميركي، هي نتاج عمله في شركة سلتيك تورز البريطانية، مما يثبت مدى براعته وقدرته المدهشة على إقناع كل من حوله وخداعهم، وتمكنه المدهش من اللغات ولكناتها أيضاً، وبسبب بعض المتغيرات السياسية عام1953، بدأت عملية مراجعة لأوراق الأجانب في مصر، مما اضطر رفعت إلى إنهاء إقامته في ذلك الفندق الدولي، الذى لم يُسدِّد فاتورته على الأرجح؛ لأنه قرر أن يغيِّر هويته مرة أخرى، وحصل بالفعل على جواز سفر جديد، باسم البريطاني دانيال كالدويل. بأسلوب إيقاف السيارات الأوتوستوب، اتجه رفعت نحو حدود ليبيا، وقد وقر في نفسه أنه لم يعد أمامه سوى أن يغادر مصر كلها، سار كل شيء على ما يرام، حتى بلغ نقطة الحدود نفسها وقدَّم للضابط البريطاني عندها جواز سفره البريطاني، بمنتهى الثقة والبساطة، وهو يتحدث معه بلكنة بريطانية خالصة، لكن الأمور لم تكن تسير لصالحه تلك المرة، ففي ذلك الحين كان الكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم في الإسكندرية ويحاولون عبور الحدود إلى ليبيا، كذلك كان العشرات من اليهود يسعون الى تهريب أموالهم، عبر الحدود نفسها، مما جعل الضابط البريطاني يطالبه بإفراغ كل ما تحويه جيوبه أمامه، فلم يتردد رفعت لحظة واحدة، وبدا شديد الهدوء والثقة، وهو يفرغ جيوبه أمام البريطاني، الذي التقط الشيكات السياحية وفحصها في اهتمام بالغ، قبل أن يسأله عما يعنيه كون الشيكات محررة لاسم رفعت الجمَّال، في حين أن جواز السفر يحمل اسم دانيال كالدويل، وهنا ارتكب رفعت أكبر حماقة في حياته، عندما قال: إنه سيوقَّع تلك الشيكات باسم رفعت!! فألقى الضابط البريطاني القبض عليه، وأعاده إلى القاهرة مع تقرير يشير إلى أنه لا يبدو مصرياً، أو حتى بريطانياً، وأنه على الأرجح "دافيد أرنسون" آخر، والأخير ضابط يهودي، كان مستشاراً للقائد التركي جمال باشا في دمشق يوماً ما، ضمن شبكة تجسس يهودية، انتشر أفرادها في سائر أقطارالإمبراطورية العثمانية، لكن سلطات التحقيق في مصر لم تكن لديها خلفية تاريخية مناسبة، لتستوعب هذا الأمر، لذا اتهمت رفعت بأنه يهودي، يحمل اسم دافيد أرنسون، وجواز سفر باسم دانيال كالدويل، وشيكات سياحية باسم رفعت الجمَّال، وما زاد ه الطين بلة - حسبما قال في مذكراته- عندما تحدث بالعربية، ليثبت التهمة على نفسه، مما جعلهم يرسلونه إلى القاهرة.





رأفت الهجان : كيف تحول إلى جاك بيتون وعاش بين يهود مصر ؟

بعد الخطوات الاولى في عالمه المخفي الذي قاده الى ان يصبح اكثر الجواسيس العرب صيتا، سعى رفعت الجمال الذي سيُعرف منذ الان بأسمه الحركي رأفت الهجان الى اختراق اسرائيل من بوابة اليهود المصريين. في هذه الحلقة الثانية التي كتبها صلاح الامام ونشرتها صحيفة "الجريدة" الكويتية اليوم الاثنين تكشف سيرته التي كتبها بنفسه عن الخطوات التي كرسته "مغامرا يهوديا" اسمه جاك بيتون: في القاهرة، أعيد استجواب رفعت الجمال في قسم مصر الجديدة، واحتار الكل في شأنه، وافترض بعض الجنود والضباط وحتى المساجين أنه فعلاً يهودي مصري، وفجأة، زاره رجل غامض. تلك المحطة من سيرته ننقلها كما كتبها رفعت بنفسه في مذكراته، فهي الأهم في حياته، ونقطة التحوّل الكبرى في طريقه.



يقول رفعت: "رأيت في انتظاري رجلاً ضخم البنية، يوحي بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره، وجه كلامه للحارس الذي اصطحبني قائلاً: "يمكن أن تتركنا الآن وحدنا". اتجه ناحيتي وطلب مني الجلوس، فجلست وفي داخلي قلق حقيقي، يسيطر عليَّ مزاج عنيد وملل وضيق مما سيأتي، فقد سئمت وضقت ذرعاً من القيود التي وضعوني فيها، وعندما قدم لي الجالس قبالتي سيجارة ثنيت يدي في هدوء فانسلتا خارج القيد الحديدي. تردد الرجل لحظة، لكنه لم ينطق بشيء، ولم يستدع الحارس. جلس خلف مكتبه، الذي أجلس قبالته، وقد رسم على شفتيه ابتسامة وهو يتطلع إليَ، وقدم لي نفسه قائلاً: "اسمي حسن حسني من البوليس السياسي". قفزت إلى رأسي علامة استفهام كبيرة... ما علاقتي بالبوليس السياسي؟ المباحث الجنائية هي وحدها المسؤولة عن الجرائم التي يحاولون اتهامي بها، واستطرد الرجل قائلاً: "لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأنني لا أعرف أي إسم أستخدم من أسمائك الثلاثة، يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جداً، ليست المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا ببساطة لا نعرف من أنت، إن الثورة في بلدنا لا تزال حديثة عهد، بلا خبرة أو استعداد، ونحن لا نستطيع إصدار وثائق إثبات الشخصية للجميع لأننا لا نملك الوسائل اللازمة ولا العاملين اللازمين لذلك، وكما ترى فإنني صريح معك، ولأنك حتى اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضي بألا تبقى في الحجز أكثر من يومين، بعد ذلك لا بد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك، لكن يجب أن نتحفظ عليك الى أن تفصح لنا عن حقيقة هويتك، نحن في ثورة ولسنا على استعداد لتحمل أية أخطاء".

أنصت إليه بانتباه محاولاً تصوّر ما يرمي إليه، واستطرد قائلاً: "أود أن أغلق قضيتك، ما من أي بلاغ عن سرقة جواز سفر بريطاني باسم دانييل كالدويل، ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر في ملفك أنك يهودي باسم ديفيد أرنسون، ثم إن رفعت الجمَّال لا توجد اتهامات ضده ولا أبلغ هو عن سرقة أي شيكات سياحية، سأدعك تخرج إلى حال سبيلك شريطة أن أعرف فقط من أنت على حقيقتك، والآن ما قولك؟ قلت له: ألا تريد أن تخبرني لماذا أنت مهتم بي؟ واضح أنني لست هنا بسبب اتهام ما، وكان رده: أنا معجب بك، إجابتك أسرع مما توقعت". تصورت أنه ما دام من البوليس السياسي، وهو ما أصدقه، فليس من المنطقي أن يعرفني باسمه مع أول اللقاء إلا إذا كان على يقين من أمري، كان البوليس السياسي في ذلك الوقت فرعا من المخابرات، وعلى الرغم من ادعائه أنهم لا يملكون الإمكانات إلا أنهم كانوا يعملون بدأب شديد، استطرد قائلاً: أنا مهتم بك، فقد تأكد لنا أنك قمة في الذكاء والدهاء، لقد أثرت حيرة الرسميين إزاء الصور التي ظهرت عليها حتى الآن، قد تكون إنكليزياً أو يهودياً أو مصرياً، غير أن ما أثار اهتمامي كثيراً بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم في حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودي، ودهشت للطريقة التي يعملون بها، لقد وصل بهم الأمر إلى حد وضع مخبرين داخل السجن للتجسس على الخارجين على القانون، وواصل حسن حسني حديثه قاصداً مباشرة إلى ما يرمي إليه فقال: "يجب التزام الحذر، أعداء الثورة في كل مكان ويريدون دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين، بيد أن ذلك موضوع آخر، فأنت كإنكليزي لا يعنيك ذلك في كثير أو قليل، وأنا على يقين من أنك لا تضمر كراهية للشعب المصري"، انفجرت فجأة قائلاً: "إنها إهانة فأنا مصري، وحريص الحرص كله على مصر وشعبها". صرخت بأعلى صوتي لهذه الإهانة التي وجهها لي، وما إن انتهيت من ثورتي الغاضبة حتى أشعل سيجارة وابتسم ابتسامة المنتصر... وعرفت أنني وقعت في المصيدة التي نصبها لي، عرفت أنه انتصر عليّّ، فقد استفزني إلى أقصى الحدود ليجعلني أظهر على حقيقتي، واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلني أكشف الستر عما أخفيته، ثم قال لي: "أنا فخور بك، أنت مصري أصيل، أطلب منك أن تخبرني شيئاً واحداً وبعدها سأعترف لك بالسبب في أنك هنا، ولماذا أنا مهتم بك أشد الاهتمام، كيف نجحت في جعل اليهود يقبلونك كيهودي؟". أجبت قائلاً: "تلك قصة طويلة، وأنا واثق من أنك لا تريد سماعها"، وكانت إجابته: "جرَّب... لدي متسع من الوقت"، سألته: "وفيم يهمك ذلك؟"، قال هادئاً: "لأنني بحاجة إليك، ولدي عرض أريد أن أقترحه عليك". ربما كنت أنتظر هذه اللحظة، إذ سبق لي أن عشت أكاذيب كثيرة في حياتي، وبعد أن قضيت زمناً طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسروراً الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما".

الهجان يحكي ..




هكذا شرعت أحكي لحسن حسني كل شيء عني منذ البداية، كيف قابلت كثيرين من اليهود في ستوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكياتهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلاً، وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ثم أخيراً في مصر، بسطت له كل شيء في صدق، إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثّل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته، بعد أن فرغت من كلامي اتسعت ابتسامة حسني أكثر مما كانت وقال لي: أنت إنسان مذهل، لقد اكتسبت في سنوات قليلة خبرة أكبر بكثير مما اكتسبه شيوخ على مدى حياتهم، أنت بالضبط الشخص الذي أبحث عنه، يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية، وكان سؤالي هذه المرة: ما الذي تريدني من أجله؟ أجاب قائلاً: كما قلت لك من قبل هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر، وتوجد في مصر أيضاً رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها، والملاحظ أن أجانب كثيرين، خصوصا اليهود هم الذين يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة بشكل قانوني، غير أنهم نظموا فرقاً تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر، واليهود هم الأكثر نشاطاً في هذا المجال، إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت، وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها، ونحن ببساطة لا نستطيع تعقّب حيلهم، ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصاً ما، يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، كذلك يكشف لنا عمن وراء ذلك كله، نريد أن نعرف كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية، وأنت الشخص المثالي لهذا العمل، الشخص الذي نزرعه وسطهم لا بد من أن يكون يهودياً، ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك، ما رأيك؟.. هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟.


حدقت فيه كأنه نزل إليّ من السماء، لم أشعر بالاطمئنان، ولم تكن لديّ فكرة عما أنا مزمع عمله، أوضح لي أنني أفضل فرس رهان بالنسبة إليه. أضاف أنهم سوف يتولون تدريبي، وإيجاد قصة جيدة الإحكام لتكون غطاء لي، ثم يضعونني وسط المجتمع اليهودي في الإسكندرية، سألته: وماذا يعود عليَّ أنا من هذا؟ فقال: "سنمحي ماضي رفعت الجمَّال تماماً، ونسقط الإجراءات القضائية الأولية لإقامة الدعاوى ضدك بسبب جوازات السفر المزورة، والبيانات الشخصية عن علي مصطفى، وشارلز دينون، ودانييل كالدويل، وأية أسماء أخرى سبق لك أن استعملتها، كذلك سنسقط أية اتهامات أخرى ضدك، وسوف تستعيد قيمة شيكاتك السياحية، أو تكتب بالإسم الذي تتخذه لنفسك وتعيش به كيهودي، هل نعقد الصفقة معاً؟". عدت لأسأله: "هل لي حق الاختيار؟"، فقال: "من حيث المبدأ لك الخيار، فإذا كنت اعتدت على حياة السجن، فمن المؤكد أنك تستطيع اختيار هذا لأن السجن سيكون هو مكانك ومآلك زمناً طويلاً ما لم تسقط الاتهامات ضدك". فقلت: "وكيف نبدأ إجراءاتنا؟"، قال: "من هنا إذا ما قبلت عرضنا، سنشرع في تدريبك فورا، سيكون لك تدريب مكثف ويحتاج إلى زمن طويل، وسوف تكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تماماً، وما أن توضع في مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولاً عن نفسك، لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور، أو أصبح الوضع خطراً". جلست في مكاني أفكر في الفرص المتاحة لي، مدركاً أنه لا خيار آخر أمامي إذا لم أشأ دخول السجن، لقد أوقع بي حسن حسني حيث أراد لي، ولا حيلة لي إزاء ذلك، وقفت وبسطت يدي لأصافحه موافقاً وأنا أقول له: حسن.. أظنك أوقعت بي حيث تريد لي أن أكون، إذن لنبدأ، أجاب وعلى شفتيه ابتسامة: "أنا سعيد جداً أن أسمع منك ذلك". بدأت فترة تدريب مكثف، شرحوا لي أهداف الثورة وفروع علم الاقتصاد، وتعلمت سر نجاح الشركات متعددة القوميات، وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة الى مستحقات الضرائب، ووسائل تهريب الأموال، وتعلمت بالإضافة إلى ذلك عادات اليهود وسلوكياتهم، وتلقيت دروساً مكثفة في اللغة العبرية كذلك تعلمت تاريخ اليهود في مصر وأصول ديانتهم، وعرفت كيف أمايز بين اليهود الإشكيناز والسفارديم والشاريد، وحفظت عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية حتى أنني كنت أرددها وأنا نائم، وتدربت أيضاً على كيفية البقاء على قيد الحياة معتمداً على الطبيعة في حالة إذا ما اضطرتني الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن، وتدربت بعد هذا على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفياً، وأخيراً تقمصت شخصيتي الجديدة.


جاك بيتون

"أصبحت منذ ذلك التاريخ جاك بيتون، المولود في 23 أغسطس (آب) عام1919 في المنصورة، من أب فرنسي وأم إيطالية، وأسرتي تعيش الآن في فرنسا بعد رحيلها عن مصر، وهي أسرة كانت لها مكانتها وميسورة الحال، وديانتي هي يهودي إشكنازي، وتسلمت وثائق تحمل اسمي الجديد والتواريخ الجديدة". هكذا ذكر رفعت الأمر، في مذكراته الشخصية... وهكذا انتهى رفعت الجمَّال رسمياً، ليولد جاك بيتون، الذي انتقل للعيش في الإسكندرية، ليقيم في حي يكثر فيه اليهود، ويحصل على وظيفة محترمة، في إحدى شركات التأمين، وتدريجيا بدأت ثقته في نفسه تزداد، وبدأ يتعايش كفرد من الطائفة اليهودية، التي قدمه إليها زميل الحجز السابق ليفي سلامة، والذي قضى معه بعض الوقت، عندما أُلقي القبض عليه، عند الحدود الليبية.
في مذكراته يكشف لنا رفعت جانباً لم يتطرق إليه المسلسل التلفزيوني على نحو مباشر أبداً، إذ تباغتنا المفاجأة بأنه قد انضم، أثناء وجوده في الإسكندرية، إلى الوحدة اليهودية 131، التي أنشأها الكولونيل اليهودي إفراهام دار، لحساب المخابرات الحربية الإسرائيلية، والتي شرع بعض أفرادها في القيام بعمليات تخريبية ضد بعض المنشآت الأميركية والأجنبية، على نحو يجعلها تبدو كما لو أنها من صنع بعض المنظمات التحتية المصرية، في ما عرف بعدها باسم "فضيحة لافون"، نسبة إلى إسحاق لافون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك. في الوحدة 131، كان رفعت زميلاً لعدد من الأسماء، التي أصبحت في ما بعد شديدة الأهمية والخطورة، في عالم المخابرات والجاسوسية، مثل مارسيل نينو، التي أقام علاقة معها لبعض الوقت، وماكس بينيت، وإيلي كوهين، ذلك الجاسوس الذي كاد يحتل منصباً شديد الحساسية والخطورة في سورية.


نقطة تحول

تبدو مذكرات رفعت الجمال في هذا الجزء بالذات، مدهشة بحق، فهي تخالف كل ما قرأناه أو تابعناه، بشأن عملية سوزانا، أو فضيحة لافون, إذ توحي بأن كل شيء كان تحت سيطرة جهاز مكافحة الجاسوسية منذ البداية، وأن حسن حسني، ومن بعده علي غالي، الذي تولى أمر رفعت، في مرحلة تالية، كانا يتابعان نشاط الوحدة 131 طوال الوقت، وأن معلومات رفعت، التي كان ينتزعها من قلب الوحدة، كانت سبباً أساسياً في إحباط العملية كلها، وإلقاء القبض على المشاركين فيها، فلم تكن الصدفة التي وقعت لأحد هؤلاء المخربين حينما انفجرت عبوة بجراب نظارته أمام سينما ريو بالإسكندرية هي سبب اكتشافهم، فلقد كان رفعت مزروعا في داخل الفرقة وعن طريقه كانت أجهزة الأمن المصرية تعرف كل شيء عنهم، ولقد ألقي القبض على رفعت وإيلي كوهين، كأفراد في الوحدة 131، ثم أطلق سراحهما فيما بعد، لعدم وجود ما يدينهما، فاختفى بعدها كوهين الذي غادر مصر وحدث ما نشرناه سلفا، في حين بقي رفعت ليواصل الحياة لبعض الوقت باسم جاك بيتون، الذي لم يتطرق إليه الشك حتماً، بدليل أن الإسرائيليين اتهموا عضواً آخر من الوحدة 131 بكشف أسرارها، وهو بول فرانك، الذي حوكم بالفصل، فور عودته إلى إسرائيل وصدر ضده الحكم بالسجن لاثني عشر عاماً، وحتى ذلك الحين، وكما يقول رفعت في مذكراته، كانت مهمته تقتصر على التجسس على مجتمع اليهود في الإسكندرية، لكن عقب نجاح عملية الوحدة 131 استُدعي إلى القاهرة، ليلتقي بالضابط الجديد علي غالي، الذي واجهه لأول مرة بأنه نجح تماماً في مهمته، وأن الخطة ستتطور، لتتم الاستفادة به أكثر خارج مصر، خصوصًا أن سمعته كفرد سابق في الوحدة 131، ستخدع الوكالات اليهودية، وستدفعها للتعامل معه كبطل.

عن تلك اللحظات الحاسمة في حياته، يقول رفعت في مذكراته: "نقطة تحوّل خطيرة في حياتي، لم أكن أتصور أنني ما أزال مديناً لهم، لكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات، فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد، فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائياً، والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتاً مع العملاء الأجانب، إذ يستجوبونهم ثم يقتلونهم، ولست متشوقاً إلى ذلك، لكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمّصته كما لو كنت أمثل دوراً في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور جاك بيتون، أحببت اللعبة. الفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية، وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟ لقد اعتدت دائماً وبصورة ما أن أكون مغامراً مقامرا اًو أحببت مذاق المخاطرة، وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي، سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف، إما أن يقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة أوسكار، وكنت مقتنعاً أيضاً بأني أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها"، قلت لغالي: "إذا كنت تعتقد أنني قادر على أداء المهمة فإني لها"، ثم كان السؤال الثاني: "كيف نبدأ؟"، فقال: "سوف يجري تدريبك على العمل على الساحة الدولية، كل ما تتعلمه يجب أن يسري في دمك، ذلك سر اللعبة، أنت مخرج عرضك المسرحي وإما أن تنجح فيه بصورة كاملة، أو تواجه الهلاك". تصافحنا علامة الموافقة، وبدأت جولة تدريب مكثف، ودرست تاريخ اليهود الأوروبيين والصهيونية وموجات الهجرة إلى فلسطين".
مصر تخدع اسرائيل 18 عاما ؟؟
يواصل الجاسوس المصري رفعت الجمال سرد حكايته فيقول: تعلمت كل شيء عن الأحزاب السياسية في إسرائيل والنقابات والهستدروت أو اتحاد العمال، والاقتصاد والجغرافيا والطوبوغرافيا وتركيب إسرائيل، وأصبحت خبيراً بأبرز شخصيات إسرائيل في السياسة والجيش والاقتصاد عن طريق دراسة أفلام نشرات الأخبار الأسبوعية، وأعقب هذا تدريب على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر والتصوير بآلات تصوير دقيقة جداً، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية، وكذلك الأسلحة الصغيرة وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة.

صببت اهتماما كبيرا على تعلّم الديانة الموسوية واللغة العبرية، واعتدت أن أستمع كل يوم ولمدة ساعات إلى راديو إسرائيل، بل وعمدت إلى تعميق لهجتي المصرية في نطق العبرية لأنني في نهاية الأمر مولود في مصر. بعد التدريب تحددت لي مهنة، تقرر أن أكون وكيل مكتب سفريات، فذلك سيسمح لي بالدخول إلى إسرائيل والخروج منها بسهولة، وتقرر أن أؤدي اللعبة أطول مدة ممكنة، لم يكن ثمة حد زمني، وكان لي الخيار بأن أترك الأمر كله إذا سارت الأمور في طريق خطر، وسوف نرى إلى أين تمضي بنا الأمور، وقيل لي إنني أستطيع بعد ذلك العودة إلى مصر وأستعيد شخصيتي الحقيقية، وتسلمت مبلغ 3000 دولار أميركي كي أبدأ عملي وحياتي في إسرائيل. في حزيران (يونيو) 1956 استقليت سفينة متجهة إلى نابولي قاصداً في الأصل أرض الميعاد، ودعت مصر من دون أن أدري ما سوف يأتي به المستقبل.

في تلك المرحلة الجديدة تماماً من حياة رفعت، والتي سافر خلالها إلى نابولي، حيث التقطته الوكالة اليهودية وبذلت جهدها لإقناعه بالسفر إلى إسرائيل، أرض الميعاد، كما كانت تقول دعاياتهم بمنتهى الإلحاح حينذاك، وفي هذا الجزء بالذات، وربما من دون أن يدري رفعت نفسه، تتبدّى عبقرية العملية كلها، إذ لم يبد هو أية لهفة على السفر إلى إسرائيل، إلا أنه لم يمانع بشدة في الوقت نفسه، وإنما جعلهم يعتقدون أنهم نجحوا في إقناعه، وتركهم يدفعونه إلى ظهر سفينة حملته إلى إسرائيل، التي استقبله فيها رجل مخابرات يُدعى سام شواب، واستجوبه بعض الوقت، ثم منحه تأشيرة إقامة وجواز سفر إسرائيليًا في ما بعد، مما يؤكد أن عملية المخابرات المصرية نجحت فعلا وبمستوى عال من التفوّق. يتحدث رفعت، في تلك المرحلة من مذكراته، عن إنشائه مكتب سفريات "سي تورز"، في 2 شارع برينر في تل أبيب، وصداقته مع موشي ديان، ومحاولات سام شوب التقرب إليه، ودفعه الفاتنة راكيل إبشتين في طريقه، ومحاولاته هو لاكتساب ثقة دايان وشوب، وعزرا وايزمان، ثم ينتقل بنا فجأة إلى حدث شديد الأهمية والخطورة... فمع اقترابه من مواقع الأحداث، علم رفعت بأمر العدوان الثلاثي قبل وقوعه، وعرف تفاصيل كثيرة، وسافر إلى روما وميلانو فعلا، بعد ترتيبات دقيقة ليلتقي برئيسه ويخبرة بكل ما لديه، لكن يبدو أن أحداً لم يصدقه، أو يقتنع بأهمية وخطورة تلك المعلومات، التي أتى بها رفعت من قلب إسرائيل. وقع العدوان الثلاثي فعلا وحدث ما حدث، وظل رفعت لمدة طويلة منشغلا بهذا التساؤل: لماذا لم يصدق أحد تحذيره!… لكنه لم يحصل على الجواب أبداً، وفي عام 1957، فوجئ رفعت بزيارة من إيلي كوهين زميله السابق في الوحدة 131، الذي سعى إليه، واستعاد صداقته معه قبل أن يبدأ مهمته، التي سافر من أجلها إلى أميركا الجنوبية، للاندماج بمجتمع المهاجرين السوريين، تمهيداً لزرعه في سورية في ما بعد، والتي ساهم رفعت بدور كبير في كشف أمرها، عندما أبلغ المخابرات المصرية أن صورة كامل أمين ثابت التي نشرتها الصحف المصرية والسورية، إنما هي لزميله السابق، الإسرائيلي إيلي حوفي كوهين.


في مذكراته، يمضي رفعت في سرد حياته في تل أبيب، ويروي قصة اختيار مكتبه السياحي لإقامة الجسر الجوي، لنقل يهود بيروت إلى إسرائيل، مما يؤكد ثقة السلطات الإسرائيلية الكبيرة فيه، ويمر خلال ذلك برواية رحلته السرية إلى مصر، في صيف 1958، وبقصة الرحلة، التي أهداها إلى إيلي كوهين وزوجته، بمناسبة زفافهما، ثم يتوقّف بعض الوقت ليروي صداقاته وعلاقاته الوثيقة بقادة إسرائيل في ذلك الوقت، فيقول: كثفت اتصالاتي بكل من ديان، ووايزمان، وشواب، ونظراً الى صلة ديان الوثيقة بـ بن غوريون، فقد استطعت أن أكسب ثقته أيضاً، وأصبحت عضواً في مجموعة الشباب المحيطين به، إذ كان يحب أن يحيط به الشباب ويستمع الى آرائهم وأفكارهم، أما غولدا مائير فكانت تتميز بأنها امرأة عطوف، وأبدت وداً شديداً نحوي، وكثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي ماذا عساهم أن يقولوا عني لو اكتشفوا حقيقتي وعرفوا أني استخدمتهم.


طلب إنهاء خدمة

كانت الفترة من 1959 وحتى 1963، خالية من متغيرات قوية، تستحق الإشارة إليها في مذكراته، إذ قفز رفعت بالأحداث دفعة واحدة، ليروي كيف أبلغ مصر باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية واختبار بعض الأسلحة الحديثة، أثناء لقائه برئيسه علي غالي في ميلانو، قبل أن يطرح أول مطلب له، فكان أول وأخطر مطلب له على الإطلاق منذ بدأ مهمته الخطيرة في قلب إسرائيل لحساب المخابرات المصرية، طلب رفعت أن ينهي مهمته ويعود إلى مصر، ويدفن إلى الأبد شخصية جاك بيتون، وكان هذا في حزيران (يونيو) 1963، وكانت رغبته تعكس حالة الإجهاد التي وصل إليها، ورغبته الحقيقية في استعادة رفعت لهويته، ومصريته وديانته الإسلامية أيضاً... لكن العودة لم تكن بالبساطة التي توقّعها، إذ لم يكن من السهل أن يختفي جاك بيتون هكذا فجأة، من قلب إسرائيل، ليظهر رفعت مجدداً في القاهرة، فهذا كفيل بكشف كل ما فعله طوال حياته...

ليس ذلك فحسب، بل ستكشف أيضا شبكات التجسس التي تركها خلفه، وفي عالم المخابرات تعتبر تلك كارثة بكل المقاييس، وكان عليه إذن أن يحتفظ بشخصية جاك بيتون لبعض الوقت، وإن كان باستطاعته أن يغادر إسرائيل ويرحل إلى بلد ثالث، بحجة العمل أو المواصلة حتى يفقد الموساد اهتمامه به بعد فترة من الوقت، مما يسمح له بالعودة إلى مصر، وعند هذا الحد تمتزج على نحو ما مذكرات جاك بيتون بمذكرات زوجته الألمانية فلتراود، فيروي هو نفس ما روته هي من قبل، حول لقائهما في تشرين الأول (أكتوبر) 1963، ووقوع كل منهما في حب الآخر، وزواجهما، وحول هذا الحدث يقول رفعت فى مذكراته التي كتبها لزوجته: "عدنا إلى إسرائيل في أوائل كانون الثاني (يناير) 1964، قدمتك إلى غولدا مائير، وأحبتك كثيرا، ثم اصطحبتك في زيارة إلى بن غوريون في الكيبوتز الخاص به، ورافقنا ديان في هذه الزيارة، وبعد أن استقبلك بن غوريون العجوز مرحباً، طلبت منك التجول في الكيبوتز إلى أن نفرغ من حديثنا أنا وبن غوريون وديان، لم يتناول نقاشنا شيئاً له أهمية كبيرة، ولكن كان لا بد من أن أكون متابعاً لمسرح الأحداث»... فإلى ذلك الحد كان رفعت متوغلا في قلب السلطة وكبار رجال الحكم فى إسرائيل.

فى تلك المرحلة أيضا، يظهر جانب آخر لشخصية رفعت ذات الجذور المصرية الأصيلة، وهو إصراره الشديد على ألا يولد ابنه في إسرائيل، وعلى أن تسافر زوجته لتنجبه في ألمانيا، كي لا يحمل إلى الأبد الجنسية الإسرائيلية... وتدريجيا، راح رفعت يتحلل من أعماله والتزاماته في إسرائيل، ويقوي روابطه وأعماله في ألمانيا، وبدأ في دراسة كل ما يتعلق بالنفط، الذي قرر أن يجعل من تجارته مصدر رزقه الأساسي، خصوصا أنه تقدم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية، التي ستتيح له السفر بسهولة أكثر، ومن دون تعقيدات أمنية إلى مصر في أي وقت يشاء، كرجل أعمال ألماني وتاجر نفط عالمي.

يؤكد رفعت في مذكراته أنه أمكنه معرفة أن إسرائيل تستعد للهجوم على مصر، في حزيران (يونيو) 1967، وأنه أبلغ المسؤولين في مصر بهذا، إلا أن أحداً لم يأخذ معلوماته مأخذ الجد، نظراً الى وجود معلومات أخرى، تشير إلى أن الضربة ستنصب على سورية وحدها!!.

وقعت نكسة 1967... وكانت هزيمة منكرة، وعلى الرغم من حالة الإحباط وخيبة الأمل التي أصابته، واصل رفعت ارتباطه بالمخابرات المصرية وظل يرسل إليها كل ما يقع تحت يديه من معلومات، من خلال صداقته مع رجل المخابرات الإسرائيلي سام شواب، حتى توافرت لديه فجأة معلومات بالغة الخطورة، لم يفصح عنها أيضاً في مذكراته، والتي أرسلها فوراً إلى مصر وصدقها المصريون، وكان لها تأثير واضح في حرب 1973.


رحيل عبد الناصر بعدما مات جمال عبدالناصر هزت وفاته رفعت الجمال حتى الأعماق، أحس وكأن يداً تعتصر قلبه في قسوة مروعة... حاول في تلك الليلة أن يبكي، لكنه لم يستطع، أراد أن يبكي لعله يزيح ذلك الصخر الذي حط فوق صدره، فكاد يكتم أنفاسه.. بحسب قوله هو لم يشعر بوفاة أبيه إلا في 28 ايلول (سبتمبر) 1970!! ومشكلة عبدالناصر معه أنه احتل في نفسه مكان الأب... يحكي رفعت: بعد زيارتي الى مصر عقب هزيمة 1967، وعثوري على الأسباب الحقيقية لتلك الحرب الضاربة التي وجهت بها مصر، اكتشفت أني اهتم، مع انغماسي في مهمتي الكبرى، في إسرائيل ومشكلات إسرائيل وما كان يدور فيها، من دون أن أهتم بوطني وما كان يحدث فيه... اكتشفت أن عليّ القيام بواجبي على أكمل وجه والإلمام بالصورة من جوانبها كافة في مصر، وفي إسرائيل، وفي العالم العربي المحيط بهما... لذلك، بعد عودتي إلى إسرائيل، وضعت نصب عيني أن أعرف كل ما كان يدور في مصر وما يحدث فيها من تطورات... وقد كنت كلما أمعنت في القراءة والدراسة أدرك أن واجبي أصبح أكثر ثقلا، ومسؤولياتي أكثر جسامة!

كانت نيران الأحداث تنضج رأفت على مهل، فراح يمارس واجبه بوعي من يدرك حقائق الأمور. في تلك الأيام، راح يرقب ما حوله من فرح وحشي من البعض، وحزن حقيقي من الذين كانوا يرون في عبدالناصر عقبة أمام جنون البعض وبغيهم... وثمة من كان يرى أن العداء السياسى شيء، والتقدير الشخصي لزعيم مثل عبدالناصر شيء آخر، لكن، ثمة اجماع على راحة عميقة، فقد تخلصت إسرائيل بضربة حظ لا تتكرر في الدهر مرتين، من ألد أعدائها وأكثرهم ضراوة وفهما لحقائق الأمور، أما هو، فلقد لزم الصمت، وألزم نفسه به، وامتنع عن مناقشته وتجنب الإدلاء برأيه فيه ، كان لا بد للحزن من أن ينحسر، وللحياة من أن تأخذ مجراها، ووجد رأفت الهجان نفسه أمام واجبات كانت تمتص كل وقته، كان القتال توقف على جانبي القناة بعد قبول مصر لمبادرة روجرز... وكما قبل عبدالناصر تلك المبادرة كي يعطي الفرصة لدفاعه الجوي أن يتحرك إلى أماكن متقدمة من الجبهة، استغلتها إسرائيل كي تدعم تحصيناتها العسكرية في سيناء... وهكذا، كان لا بد لذراع الفتى من أن تمتد إلى كل شبر في شبه الجزيرة المصرية، وكان ذلك يحتاج إلى تجنيد مزيد من الجنود، أو القيام برحلات كان بعضها يمثل خطرا حقيقيا عليه، بدأ رفعت يلمح بوادر ذلك الصراع السياسي الذي نشب عند قمة السلطة في وطنه... والذي بلغ ذروته في 14 ايار (مايو) 1971، وبدا له الأمر في لحظة ضيق، وكانت نفسه تقطر مرارة ، أن الناس في مصر نسوا واجبهم المقدس وتفرغوا لصراعهم السياسي، وعندما احتدم ذلك الصراع ووصل إلى ذروته، أحس وكأنه يقف في الميدان وحده! وإلى هنا تنتهي مذكرات رفعت الجمال.

بعد الحرب والانتصار، عاد رفعت يطلب العودة إلى مصر، لكن المخابرات المصرية أخبرته أنه لا يستطيع العودة مع أسرته، إذ يستحيل أن تُحمى الأسرة كلها طوال الوقت من أية محاولات انتقامية إسرائيلية، إذا ما انكشف أمره... كان على الطير المسافر أن يواصل التحليق إذن بعيداً عن وطنه، وأن يحمل حتى آخر العمر اسم جاك بيتون، اليهودي الإسرائيلي السابق ورجل الأعمال الألماني المحترم، الذي نجح في إقامة مشروع نفطي كبير في مصر، ظل يزهو به، حتى آخر لحظة في حياته.

يروي رفعت في مذكراته كيف حصل على امتياز التنقيب عن البترول المصري عام 1977م، ليعود أخيراً إلى مصر التي عشق ترابها وفعل من أجلها كل ما فعله... وفي نهاية مذكراته، أشار رفعت إلى إصابته بالسرطان وتلقيه العلاج الكيمائي في تشرين الأول (أكتوبر) 1981 وتفاقم حالته، ثم يبدي ارتياحه لأن العمر أمهله حتى أكمل مذكراته، وأن زوجته فلتراود وابنه دانيال وابنته بالتبني أندريا سيعرفون يوماً ما حقيقته وهويته وطبيعة الدور البطولي الذي عاش فيه عمره كله، من أجل وطنه... من أجل مصر.

تنتقل مذكرات رفعت بعد ذلك الى مرحلة أخرى تخص زوجته، فبعد رحيله عام 1982، ومحاولاتها السيطرة على الأمور، ومعرفتها بأمر زوجها، على لسان ابن شقيقه محمد سامي الجمال، في يوم الوفاة نفسه، وكيف أنها لم تصدق ما سمعته، وأنكرته واستنكرته... ثم تتحدث عن المفاجأة التي تلقتها حين قراءتها لمذكراته، بعد ثلاث سنوات من وفاته، وتأكدها مما أخبرها به محمد سامي الجمال يوم وفاته، ويا لها من مفاجأة!! ثم تروي فلتراود قصة لقائها بالفنان إيهاب نافع وارتباطها به والدور الذي قام به، لإجراء الاتصال بينها وبين المخابرات المصرية للتيقّن من حقيقة ما جاء في مذكرات زوجها الراحل، ثم زواجها من نافع في ما بعد.

عرف العالم كله أن المخابرات المصرية نجحت في خداع الإسرائيليين، طوال 18 عاماً كاملة، وزرع جاسوس مصري في قلب قياداتهم ومجتمعهم، بل وفي قلب كيانهم الأساسي كله، كانت واحدة من أروع العمليات وأكملها، التي نشر بعض تفاصيلها، في تاريخ المخابرات على مستوى العالم، برع وتألّق خلالها جاسوس يعد الأشهر في عالمه، بل هو أشهر الجواسيس على الإطلاق.
 


الهجان قبل وفاته

 توفي بمرض السرطان في المانيا ..وطلب ان لايدفن في مقابر اليهود ..

قبر الهجان
 


 
...تابع القراءة

الأحد، 5 مايو 2013

قصة بطولة الشهيد جواد حسني


جواد حسنى كان قائد كتيبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة الذي لبى نداء الوطن، وكان ما يزال طالبًا بالسنة الأخيرة في كلية الحقوق. فانطلق مع مجموعة من الشباب كونها للدفاع عن أرض الوطن إلى منطقة القنال ليأخذوا أماكنهم في المعركة.

في مساء يوم الجمعة 16 نوفمبر 1956، بعد أن علموا أن بعض القطع البحرية المغيرة أنزلت قوات كوماندوز بالسويس للوصول إلى بورسعيد، خرج جواد حسني في دورية استطلاعية مع مجموعة الحرس الوطني في القنطرة، وتوغلت كتيبة الحرس الوطني داخل سيناء فقابلتهم دورية إسرائيلية كانت مرابطة عند الكيلو 39 في طريق "الكاب" شرقي قناة السويس، واشتبكوا معهم فأطلق رصاص رشاشه عليهم فأصيب برصاصة في كتفه الأيسر، فتقدم منه زملاءه وضمدوا جرحه وطلبوا منه العودة، لكنه رفض وتعهد بحمايتهم بنيران رشاشه.

في الليل تسلل جواد حسنى من بين أفراد الكتيبة، وواصل التقدم حتى وصل إلى الضفة الشرقية التي احتلتها القوات الفرنسية، فاشتبك مع دورية فرنسية وكان مدفعه سريع الطلقات (600 طلقة في الدقيقة) فظن الفرنسيون انهم يحاربون قوة كبيرة فطلبوا النجدة، فإذا بقوة من الجنود الفرنسيين تتقدم تجاهه واخذ جواد يقذفهم بالقنابل اليدوية مع نيران مدفعه ودماءه تنزف، فسقط مغشيًا عليه، فتقدمت القوات نحوه وهى تظن أن هذا السقوط خدعة، فوجدت شابًا في الحادية والعشرون من عمره ملقى وسط بركة من الدماء يحتضن مدفعه ويقبض على قنبلة شديدة الانفجار، فنقلوه إلى معسكر الأسرى وسجل بدمائه التي تنزف قصة اعتقاله وتعذيبه يوم بيوم ابتداء من يوم اسره في 16 نوفمبر 1956.

جاء قائد القوات الفرنسية بنفسه ليستجوبه، ولكن جواد لم يتكلم لينقذ نفسه بل مد إصبعه في أحد جروحه وكتب على الحائط - بدمائه - عبارات يذكرها التاريخ:

"اسمي (جواد). طالب بكلية الحقوق..فوجئت بالغرباء يقذفون أرضي بالقنابل فنهضت لنصرته، وتلبية نداؤه..والحمد لله لقد شفيت غليلي في أعداء البشرية، وأنا الآن سجين وجرحي ينزف بالدماء..أنا هنا في معسكر الأعداء أتحمل أقسى أنواع التعذيب..ولكن ياترى هل سأعيش؟ هل سأرى مصر حرة مستقلة؟ ليس المهم أن أعيش..المهم أن تنتصر مصر ويهزم الأعداء"

رفض جواد أن يبوح بأى كلمة من أسرار الوطن، فأوهمه قائد القوات الفرنسية أنه سيطلق سراحه وأمره بالخروج من حجرة الأسرى، وأثناء سيره أطلق الجنود الفرنسيون رشاشاتهم على ظهره فسقط شهيدا في الثاني من ديسمبر 1956
...تابع القراءة

حديقة الازبكية


تاريخ الأزبكية
--------------
تعود تسمية هذا المكان إلى أواخر القرن الرابع عشر إبان حكم دولة المماليك، عندما أهدى السلطان قايتباي مكافأة قائد جيوشه الأتابك سيف الدين بن أزبك قطعة أرض ناحية بركة بطن البقرة وكانت حينئذ أرض جرداء ليس بها سوى ضريحين, ضريح سيدي عنتر وضريح سيدي وزير، فأوصل إليها المياه من القناة الناصرية وشيد على طولها رصيف من الحجارة ليتخذه الناس ممشي، وأقام أيضا منتزها رائعا حول البركة حمل اسمه، وأنشأ الجامع الكبير ثم أنشأ حول الجامع البناء والربوع والحمامات وما يحتاج إليه من الطواحين والأفران، وحدد لها في كل سنة عيدا أسماه "احتفال فتح البركة"، فحينما يرتفع النيل يتم فتح السد المقام عند مدخل البركة على الخليج الناصري فتندفع المياه إليها، وبحلول عام 1495 كانت الأزبكية قد تحولت إلى حي كبير يتوسط القاهرة

بعد دخول العثمانيين مصر عام 1517م شيد رضوان كتخدا في الأزبكية قصرا كبيرا على حافة بركة الأزبكية الشرقية، وأسماه "العتبة الزرقاء" بسبب أن لون بوابته التي كانت تؤدي لشارع الأزهر كان أزرقا، بالإضافة إلى وجود بلاطات زرقاء فوق عتبته.

شهد ميدان الأزبكية فترة دخول نابليون بونابرت مصر عام 1798م، حيث لما أراد كسب ود الشعب المصري، بدأ في تعلم مبادئ الدين الإسلامي فكان يتردد على دارة الخليل البكري في ميدان الأزبكية ليدرس على يديه القرآن الكريم ويتلقى دروساً في آداب الإسلام وشرائعه، ثم اتخذ لنفسه فيها دارا.

ومن ميدان الأزبكية خرجت جماهير القاهرة في عصر يوم 13 مايو عام 1805م تنادي بمبايعة محمد علي أميرا على مصر، بدلا من الحكم العثماني الجائر الذي عانى منه الشعب المصري.

وبعد تولي محمد علي حكم مصر اختار ميدان الأزبكية ليكون قلب العاصمة الجديدة، بل إنه سكنها في بداية ملكه لكنه تعرض لمحاولة اغتيال على يد الجنود الأرناؤود، مما دفعه بعد ذلك ليصعد إلى قصره في قلعة الجبل، ولكن ظلت الأزبكية مَسكنا للطبقة العليا مما أكسبها أهمية متزايدة مع مرور الوقت حيث أصبحت مركزا للطبقة الحَاكمة ومكانا يمتلئ بالفنَادق والمتنزهات، وقد ميزها محمد علي بوجود (ديوان المدارس) أو وزارة المعارف في ذلك العهد الذي تولي أمره في البداية مصطفي مختار بك، ثم أدهم بك، وكان ديوان المدارس هذا يحتل قصر الدفتردار في الأزبكية بالاشتراك مع مدرسة الألسن التي أنشئت في التاريخ نفسه وعين رفاعة بك الطهطاوي ناظرا لها.
يعتبر الخديوي إسماعيل المؤسس الحديث للأزبكية وذلك عندما عاد سنة 1867م من زيارته لمعرض باريس، فبهره العمران الحديث في باريس، فأقدم علي الأزبكية لتكون علي شاكلتها، وأعاد تخطيط ميدان الأزبكية.

وقد أطلق اسم قصر"العتبة الزرقاء" الذي بناه "رضوان كتخدا" على نصف الميدان، وسمي النصف الآخر باسم ميدان "أزبك"، ولكن هذا القصر لم يبق على حاله، ففي عهد الخديوي عباس الأول، تم هدم القصر وأعيد بناؤه مرة أخرى باسم "العتبة الخضراء" تبركا باللون الأخضر لمدخله، حيث أن الخديوي كان يتشاءم من اللون الأزرق.

في عام 1864م تم ردم البركة التي كانت تتوسط الميدان، وأنشئ في نفس مكانها عام 1872م حديقة الأزبكية على يد المهندس الفرنسي "باريل ديشان بك"، على مساحة 18 فدانا أحيطت بسور من البناء والحديد وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع.

وأقام الخديوي إسماعيل في طرف الأزبكية الجنوبي مسرحين هما المسرح الكوميدي الفرنسي الذي إنشئ في 2 نوفمبر 1867م وافتتح في 4 يناير 1868م تحت إدارة الخواجة منسي، ودار الأوبرا الخديوية، وبعد الأنتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها عين الخديو مسيو "باريليه" الفرنسي ناظرًا لها ولجميع المتنزهات الأخرى، وكانت تقام بالحديقة العديد من الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبري للأجانب والمصريين، ففي يونيو 1887م تم الاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا من قبل الجالية الإنجليزية في مصر، واحتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو، أما الاحتفالات المصرية في الحديقة فكان أبرزها الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني واحتفال الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية، وكانت الموسيقي العسكرية تعزف في الاحتفال الأول، إلي جانب إقامة السرادقات في احتفالات الجمعيات وحفلات المطربين، وأشهرهم الشيخ يوسف المنيلاوي وعبده الحامولي، ومحمد عثمان.

أما في عهد وزارة "نوبار باشا"، فقد تم استخدام قصر العتبة الخضراء كمقر للمحكمة المختلطة، ثم تحول إلى دار القضاء العالي المعروف حاليا في المنطقة التي أطلق عليها ميدان الإسعاف. وفي منتصف القرن التاسع عشر تم إنشاء مستشفى أهلي بميدان الأزبكية، هذا إلى جانب أنه في منطقة الأزبكية كان مشيدا عدد من الفنادق منها "شبرد" و"الكونتيننتال" بالإضافة إلى "وندسور وإيدن بالاس".

وبعد حريق القاهرة الذي حدث في 26 يناير عام 1952م، طرأت على ميدان الأزبكية تغيرات كثيرة فقد تم نقل مكاتب شركات الطيران التي كانت موجودة بفندق شبرد الذي تم تدميره تماما في الحريق إلى ميدان التحرير، وتم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه بمساحته الهائلة إلى أربعة أماكن تضم حاليا مبنى البنك المركزي الجديد، ومحطة بنزين وجراج الجمهورية ومبنيين تابعين لوزارة الشئون الاجتماعية والتأمين الصحي، أما حديقة الأزبكية فقد قسمت هي الأخرى، وشيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واخترقها شارع 26 يوليو فقسمها إلى قسمين.


ويكيبيديا
...تابع القراءة

فاجعة الاسكندرية عام 1365


عندما أراد بطرس الأول لوزجنان ملك قبرص أن يصوب هجماته الوحشية باتجاه المسلمين، تلقى النصح بأن يهاجم الإسكندرية في يوم جمعة، فيما المسلمون منهمكون في صلاة الجمعة بالمساجد، ونائب الإسكندرية في ذلك الوقت صلاح الدين خليل غائب لأداء فريضة الحج، وينوب عنه أمير ضعيف يدعى جنغرا، ليست لديه خبرة بشؤون الحرب، ولأن الملك الطموح بطرس الأول كان يخشى مهاجمة مثل هذه المدينة القوية، فقد أعجبته فكرة خداع المسلمين، وكان احتلال مصر عن طريق الإسكندرية يعني بالنسبة إليه بداية الطريق نحو تحرير الأراضي المسيحية المقدسة من الحكم الإسلامي، وبرغم السرية التي أحاط القبارصة بها أخبار حملتهم المرتقبة، فقد تسربت تلك الأخبار إلى المصريين، لكنهم لم يأخذوها بجدية، ظناً منهم أن القبرصيّ أضعف من أن يقدم على هكذا خطوة، وكل ما قام به نائب السلطنة في المدينة أن قام بتعلية سور المدينة القصير في بعض الجهات التي تواجه الميناء.
وانقض بطرس الأول ملك قبرص بجيشه الصليبي على الإسكندرية في مثل هذا الشهر الهجري محرم من عام 767 الموافق 1365 ميلادي، واعتقد السكندريون في البداية أن الأسطول قادم من البندقية ليشتري التوابل كالمعتاد، فأسرعوا لاستقباله، غير أنهم فوجئوا بعد أن رسا الأسطول على الشاطئ أن ركابه يشهرون سيوفهم، ولم يتمكن أحد من دحرهم، وهم يضرمون النار في كل ركن بالمدينة، ويدنسون المساجد ويعلقون عليها الصلبان، ويغتصبون النساء، ويقتلون الأطفال والشيوخ، وبلغ من وحشيتهم ورغبتهم في التشفي ـ كما يقول المؤرخ السكندري النويري ـ أنهم كانوا يقتلون المرأة ويذبحون ابنها على صدرها، ولم يفرقوا في النهب والتدمير بين المنشآت الخاصة بالتجار المسلمين أو تلك التي تخص المسيحيين، مثل فنادق أهل جنوة ومرسيليا..
ثغرة باب الديوان!
وفي صباح اليوم التالي أقبل مزيد من السفن القبرصية، واحتشد المقاومون السكندريون خلف أسوار المدينة للذود عنها ضد الزحف القبرصي.. وبالفعل لم ينجح المهاجمون في البداية في الاقتراب من تلك الأسوار بأبراجها المنيعة، بسبب سهام المدافعين القوية، لكن العدو اكتشف جانباً من السور بلا دفاعات، فنصب عليه السلالم الخشبية، وصعد عليها الجنود القبارصة المعتدون، وتوجهوا إلى أحد أبواب المدينة ويدعى (باب الديوان) فأحرقوه، وأربكت المفاجأة المدافعين، فيما تدفق القبارصة إلى داخل المدينة، وفزع الناس ففروا نحو بوابات المدينة هرباً، مما أدى إلى وفاة المئات من شدة الزحام! وبقي القبارصة بالمدينة ثلاثة أيام، قبل أن يغادروها عائدين إلى جزيرتهم، بالعديد من الأسرى، الذين بلغ عددهم نحو خمسة آلاف ما بين مسلمين ومسيحيين ويهود، رجال ونساء، علاوة على حمولة سبعين سفينة من الغنائم، حتى أن بعضها اضطر إلى إلقاء أجزاء من حمولته في البحر خلال الطريق، من شدة ثقلها، وترك القبارصة خلفهم حطام مدينة كانت رمزاً للحرية والانفتاح على العالم، وقد خلد المؤرخ السكندري النويري في كتابه (الإلمام) هذه الوقائع المؤلمة... وفيما بعد دارت مفاوضات للصلح بين سلطان مصر وملك قبرص بطرس الأول، أسفرت عن تبادل للأسرى.
الهدايا..والانتفاضة!
ولم تنقطع غارات القبارصة عن موانئ المسلمين، وفشل المماليك في صدها، بل ووقعت طرابلس الشام فريسة لإحداها عام1393م، كما سقطت سفينة للمسلمين وأسر من كان بها في يد قراصنة القبارصة عام 1423م، وسقطت في العام التالي سفينة أخرى محملة بالهدايا كان السلطان برسباي قد بعث بها إلى السلطان العثماني مراد الثاني! عندئذ فقط انتفض برسباي المملوكي، وقرر أخيراً أن يلقن القبارصة درساً، فجهز ثلاث حملات لاستعادة جزيرة قبرص في ثلاثة أعوام متوالية
نجحت الحملة الأولى ـ وكانت صغيرة ـ في الهجوم على ميناء ليماسول، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تتأهل للقرصنة، ثم عادت إلى القاهرة بغنائم كثيرة، ثم أوفد برسباي حملته الثانية لإعادة فتح قبرص في مايو 1425م، وكانت هذه المرة تتألف من أربعين سفينة، وأخذت طريق الشام، ومنها إلى قبرص، فدمرت تماماً قلعة ليماسول، واغتالت خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة بألف أسير، علاوة على الغنائم، أما الحملة الثالثة فكانت أعظم من السابقتين، وضمت ثمانين سفينة، أقلعت من ميناء رشيد المصري عام 1426م، وذهبت رأساً إلى ليماسول، التي استسلمت سريعاً للمسلمين في الثاني من يوليو 1426م، ثم اتجهت شمالاً في جزيرة قبرص، فأسقطت ملك الجزيرة في الأسر، واحتلت نيقوسيا العاصمة، وهكذا عادت قبرص إلى المماليك.
...تابع القراءة

النكتة التى أدخلت اسماعيل يس مستشفى الامراض العقلية


كان أمرًا طبيعيا أن تصل شهرته إلى الطبقة الحاكمة ففي عام 1950 دعي الفنان الراحل لإلقاء بعض مونولوجاته في حفل خيري لصالح جمعية "مبرة محمد علي" في "ملهي الأوبرج".

وكما يذكر المؤرخ الفني الدكتور "محمد فتحي" في أحد مقالاته أمر الملك فاروق أحد رجاله بدعوة إسماعيل إلي الاستراحة الملكية للتسرية عنهم وتسليتهم وقال الملك لإسماعيل: "يلا يا إسماعيل سمِّعنا نكتة جديدة".

من فرط الارتباك بدأ إسماعيل النكتة قائلاً: مرة واحد مجنون زي جلالتك كده! فصرخ الملك: انت بتقول إيه؟ يا مجنون! أدرك إسماعيل الموقف فما كان منه إلا أن سقط متظاهراً بالإغماء، وغادر الملك غاضباً لمتابعة بقية الحفلة، وإن ظل بعض رجال الحرس حول إسماعيل، لينفذوا العقاب الذي سيأمر به جلالة الملك.

يوسف رشاد- طبيب الملك الخاص- قال لتمرير الموقف إن إسماعيل مريض، تصيبه حالات من ضعف الذاكرة وفقد الإدراك، وهو في حاجة لأن يقضي فترة تحت الرقابة الطبية لمعالجة هذه الحالة، فأمر الملك بإيداعه "مستشفي الأمراض العصبية والنفسية".

الصحف في اليوم التالي صدرت مشيدةً بالعطف الملكي الكريم علي إسماعيل ياسين، الذي عاوده مرض الصرع أثناء الحفل الخيري، فأمر الملك بعلاجه علي نفقته الخاصة.
وبعد عشرة أيام، غادر إسماعيل المستشفي لكن محنته مع الملك ظلت ذكرى أليمة، فكان يخشى أن يعاود التنكيل به وظل في هذا الوضع لمدة عامين إلى أن قامت ثورة 23 يوليو والتي غنى لها إسماعيل يس بعد ذلك.
...تابع القراءة

الأربعاء، 1 مايو 2013

أسد سيناء(( سيد زكريا )) الفلاح الذى أصبح جنديا فى القوات الخاصة



قصة الشهيد - سيد زكريا خليل - واحدة من بين مئات القصص التى ابرزت شجاعة المقاتل المصري، ومن الغريب ان قصة هذا الجندي الشجاع ظلت فى طي الكتمان طوال 23 سنة كاملة ، حتى اعترف بها جندي اسرائيلي سابق في ميدان المعركة ، ونقلت وكالات الأنباء العالمية قصه هذا الشهيد واطلقت عليه لقب (أسد سيناء ) .


تعود بداية القصة او فلنقل نهايتها الى عام 1996 في ذلك الوقت كان سيد زكريا قد عد من ضمن المفقودين فى الحرب ، وفى هذا العام أعترف سفير إسرائيل في المانيا الذي كان جنديا إسرائيليا لأول مرة للسفير المصري في ألمانيا بأنه قتل الجندي المصري سيد زكريا خليل ، مؤكدا أنه مقاتل فذ وانه قاتل حتي الموت وتمكن من قتل 22 إسرائيليا بمفرده.


وسلم الجندي الإسرائيلي متعلقات البطل المصري الى السفير وهي عبارة عن السلسلة العسكرية الخاصة به اضافة الى خطاب كتبه الى والده قبل استشهاده ، وقال الجندي الاسرائيلي انه ظل محتفظا بهذه المتعلقات طوال هذه المده تقديرا لهذا البطل ، وانه بعدما نجح فى قتله قام بدفنه بنفسه واطلق 21 رصاصة فى الهواء تحية الشهداء .. وجاء هذا الإعتراف للسفير المصري من قبل الجندي الإسرائيلي السابق بعد تردد بالغ في كشف هذا السر .. و يقول السفير الإسرائيلي انه كان مذعورا من هذا الشخص الذي يقتل رفاقه واحدا تلو الآخر ولم يكن يصدق انه نفر واحد ... وقال انه كان خائفا وكان مختبئا حتي تتاح له الفرصة لقتل العريف سيد ...



تبدأ قصة الشهيد بصدور التعليمات في أكتوبر 73 لطاقمه المكون من 8 أفراد بالصعود إلي جبل (الجلالة) بمنطقة رأس ملعب ، وقبل الوصول الى الجبل استشهد أحد الثمانية في حقل ألغام ، ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بالاختفاء خلف احدي التباب واقامة دفاع دائري حولها علي اعتبار أنها تصلح لصد أي هجوم ، وعندئذ ظهر اثنان من بدو سيناء يحذران الطاقم من وجود نقطة شرطة إسرائيلية قريبة في اتجاه معين وبعد انصرافهما زمجرت 50 دبابة معادية تحميها طائرتان هليكوبتر وانكمشت المجموعة تحبس أنفاسها حتي تمر هذه القوات ولتستعد لتنفيذ المهمة المكلفة بها .


وعند حلول الظلام وبينما يستعدون للانطلاق لأرض المهمة ، ظهر البدويان ثانية وأخبرا النقيب غازي أن الإسرائيليين قد أغلقوا كل الطرق ، ومع ذلك وتحت ستار الليل تمكنت المجموعة من التسلل إلي منطقة المهمة بأرض الملعب واحتمت باحدي التلال وكانت مياه الشرب قد نفذت منهم فتسلل الأفراد أحمد الدفتار - وسيد زكريا - وعبدالعاطي - ومحمد بيكار - إلي بئر قريبة للحصول علي الماء ، حيث فوجئوا بوجود 7 دبابات إسرائيلية فعادوا لابلاغ قائد المهمة باعداد خطة للهجوم عليها قبل بزوغ الشمس ، وتم تكليف مجموعة من 5 أفراد لتنفيذها منهم - سيد زكريا - وعند الوصول للبئر وجدوا الدبابات الإسرائيلية قد غادرت الموقع بعد أن ردمت البئر.


وفي طريق العودة لاحظ الجنود الخمسة وجود 3 دبابات بداخلها جميع أطقمها ، فاشتبك سيد زكريا وزميل آخر له من الخلف مع اثنين من جنود الحراسة وقضيا عليهما بالسلاح الأبيض وهاجمت بقية المجموعة الدبابات وقضت بالرشاشات علي الفارين منها ، وفي هذه المعركة تم قتل 12 إسرائيليا ، ثم عادت المجموعة لنقطة انطلاقها غير أنها فوجئت بطائرتي هليكوبتر تجوب الصحراء بحثا عن أي مصري للانتقام منه ، ثم انضمت اليهما طائرتان أخريان وانبعث صوت عال من احدي الطائرات يطلب من القائد غازي تسليم نفسه مع رجاله.


وقامت الطائرات بإبرار عدد من الجنود الإسرائيليين بالمظلات لمحاولة تطويق الموقع وقام الجندي حسن السداوي باطلاق قذيفة (آر.بي.جي) علي احدي الطائرات فأصيبت وهرع الإسرائيليون منها في محاولة للنجاة حيث تلقفهم - سيد زكريا - أسد سيناء برشاشه وتمكن وحده من قتل 22 جنديا.


واستدعي الإسرائيليون طائرات جديدة أبرت جنودا بلغ عددهم مائة جندي أشتبك معهم أسد سيناء وفى هذه اللحظة استشهد قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بعد رفضه الاستسلام ، ومع استمرار المعركة غير المتكافئة استشهد جميع افراد الوحدة واحدا تلو الآخر ولم يبق غير أسد سيناء مع زميله أحمد الدفتار في مواجهة الطائرات وجنود المظلات المائه ، حيث نفدت ذخيرتهما ثم حانت لحظة الشهادة وتسلل جندي إسرائيلي ( السفير الإسرائيلي ) خلف البطل وافرغ فى جسده الطاهر خزانه كاملة من الرصاصات ليستشهد على الفور ويسيل دمه الذكي علي رمال سيناء الطاهرة بعد أن كتب اسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين
...تابع القراءة

حكايه الاميره قطر الندى بنت خمارويه


تنسب الدولة الطولونية في مصر إلى أحمد بن طولون، وهو من أصل تركي، حيث كان والده من بلاد تركستان - الواقعة ضمن الأراضي الروسية الآن ـ وكلمة“طولون” تعني بالتركية “البدر الكامل”، وكان طولون ـ والد أحمد ـ رئيساً لحرس الخليفة العباسي محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد الذي حكم من عام
833 حتى عام 842م.

وقد ولد أحمد بن طولون في بغداد عام 835 م، ثم انتقل مع والده بعد ذلك بعام إلى المقر الجديد للخلافة العباسية في “سامراء” التي أنشأها الخليفة المعتصم وجعلها عاصمة لملكه. وتعلم ابن طولون في مدارس سامراء العلوم الإسلامية والعسكرية، ونال حظاً وفيراً من العلم ، حتى رحل والده عن الدنيا عام 854م.

كان بنو العباس قد اعتادوا على إقطاع مصر للقادة الأتراك محل ثقتهم، وكان من عادة القائد التركي الذي تكون مصر من نصيبه أن يبقى في عاصمة الخلافة ويرسل نائباً عنه لإدارة شؤون مصر.

وفي عام 868م أنعم الخليفة العباسي الثالث عشر “المعتز بالله بن المتوكل على الله” على أحد قادته الأتراك بإقطاعه مصر، وكان هذا القائد المسمى “باكباك” من أفضل القواد الترك في ذاك الحين، وكان متزوجاً في نفس الوقت من والدة أحمد بن طولون منذ وفاة والده، وبالتالي وقع اختيار باكباك على
أحمد بـن طولون ليكون نائباً عنه في إدارة حكم مصر، وحدث أن غضب الخليفة على باكباك فأمر بضرب عنقه، وآلت إقطاعية مصر إلى القائد التركي “يارجوخ” وكان والد زوجة أحمد بن طولون..

وهكذا خدمت الأحداث أحمد بن طولون، وكانت في صالحه على طول الخط، وساعده يارجوخ على إطلاق يده في مصر، ولما توفي يارجوخ عام 873م بسط بن طولون نفوذه على مصر، وأعلن نفسه أميراً عليها، وكان قد أمضى فيها حتى ذاك الحين خمس سنوات منذ قدومه إليها.

وفي عام 878 توفي “ أماجور” والي الشام ، فانتهز أحمد بن طولون الفرصة وسار على رأس جيش إلى الشام، ونجح في إخضاع دمشق له، ثم خضعت له حماة، وحمص، وحلب، ليتمكن من تأسيس أول دولة في مصر مستقلة عن دولة الخلافة.
ولما توفي أحمد بن طولون عام 884م ، خلفه ابنه “خمارويه” الذي حقق
انتصارات عظيمة كتلك التي حققها والده، وكانت الخلافة العباسية من جانبها تنظر إلى قيام الدولة المصرية المستقلة بعين الحذر، وتخشى أن تغدو منافسا خطرا لها، فلما تولى خمارويه عمد إلى عقد معاهدة صلح مع الخلافة العباسية ببغداد، ولما تولى الخلافة المعتضد بالله سنة 279 هـ (892 م) انتهز خمارويه هذه الفرصة، فبعث سفيره إلى بغداد ومعه تحف وهدايا نفيسة وأموال كثيرة، ليس هذا فقط، بل عرض سفير خمارويه على الخليفة أن يتزوج ولده
المكتفي بالله الأميرة قطر الندى ابنة خمارويه، لكن الخليفة طلب أن
يتزوجها هو شخصيا، ووافق خمارويه، وأخذ في الاستعداد لهذا المشروع الخطير.

كانت الأميرة المصرية ـ واسمها الحقيقي أسماء ـ وتعرف بقطر الندى، من أجمل فتيات عصرها، وأوفرهن سحرا وذكاء وعلما، ولم تكن حين خطبتها للخليفة قد جاوزت الأربعة عشر ربيعا، وقدم لها الخليفة صداقا قدره ألف ألف درهم،
وبالرغم من ضخامة هذا الصداق في ذاك العصر، فإنه يعتبر جزءاً يسيرا مما أنفقه والدها، على تجهيزها من الأموال الطائلة، فقد أراد خمارويه أن ينافس الخلافة في مظاهر غناها وبذخها، ويقدم لنا مؤرخو هذا الزمن تفاصيل مدهشة لا يكاد يصدقها عقل عن جهازها، فمن ذلك: أريكة أربع قطع من الذهب، عليها قبة من ذهب مشبك، في كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة جوهر لا يعرف لها
قيمة، وقد قيل إنه أنفق على تجهيزها ما يساوي ميزانية دولة بالكامل، حتى
أن البعض قال بأن موافقة الخليفة العباسي على هذا الزواج كانت بهدف إفقار الدولة الطولونية لعلمه بما يتميز به خمارويه من بذخ.

ولم يقف هذا البذخ على تجهيز الأميرة فقط، بل اقترنت به صور أخرى من الإغراق الذي لم يسمع به، ذلك أن خمارويه بعد أن فرغ من إعداد الجهاز أخذ في التأهب لإرسال ابنته إلى زوجها الخليفة، وهنا نستطيع استرجاع قصص ألف ليلة وليلة، لكي نتصور ما أحيطت به رحلة قطر الندى من مصر إلى بغداد من مظاهر الفخامة والترف، فقد أراد خمارويه أن يجعل من تلك الرحلة الشاقة، خلال هذا القفر الشاسع، نزهة ممتعة، فأمر أن يبنى لها على رأس كل منزلة
(محطة) في الطريق بين مصر وبغداد قصرا وثيرا، مجهراً بكل شيء.

وفي أواخر عام 281 هـ (894 م) خرجت قطر الندى من مصر في موكب عظيم، وبرفقتها عمتها شيبان، وعدد من الكبراء والحشم، وحسب وصف مؤرخي تلك الفترة، فكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد، فكانت إذا وافت منزلة وجدت قصرا قد فرش وبه جميع ما تحتاج إليه، فكأنها في مسيرها من مصر إلى بغداد على ما كانت في قصر أبيها.

ووصل موكب الأميرة المصرية إلى بغداد في فاتحة المحرم عام 282 هـ، وزفت إلى الخليفة المعتضد في شهر ربيع الأول من نفس العام، في احتفالات أسطورية، أسبغت على مدى أيام على العاصمة العباسية حللا ساطعة من البهاء والمرح، وشغف الخليفة بزوجته الفتية، وسحره جمالها الفاتن، فكانت أحظى نسائه لديه.

ولم تمض أشهر قلائل على زفاف قطر الندى إلى زوجها الخليفة، حتى قتل والدها خمارويه، وكان قد خرج بعساكر من مصر إلى الشام استعدادا للحرب، ونزل بدمشق، فأقام بها مدة يسيرة، وفي ذات مساء قتله خدمه وهو نائم على فراشه، وذلك في أواخر سنة 282 هـ ، وذلك بعد حكم دام أكثر من 11 سنة، وكان موته هو بداية النهاية للدولة الطولونية، إذ تولى ابنه “أبو العساكر” مقاليد الحكم، لكنه قتل بعد شهور من توليه، ودبت الفتنة في الجيش الطولوني، ثم تولى “هارون” شقيقه - ابن خمارويه - مقاليد الحكم، وفقدت مصر في عهده ممتلكاتها في الخارج، ودخل هارون في حرب ضروس مع القرامطة في الشام، فانتهز الخليفة العباسي الفرصة ليتخلص من الفريقين، فأرسل جيشاً قوي العدة والعدد أوقع بالقرامطة هزيمة شديدة عام 903 م قرب حماة، ثم عاد نفس الجيش بقيادة محمد بن سليمان لإخضاع مصر ثانية للخلافة العباسية، وتمكن الأسطول البحري العباسي من هزيمة الأسطول الطولوني في دمياط، وعسكرهارون بن خمارويه بجيشه في صحراء الشرقية، لكنه قتل نتيجة خيانة نفر من رجاله عام
904م، وخلفه شقيقه شيبان الذي استسلم لجيش محمد بن سليمان الذي دخل الفسطاط يوم الخميس آخر صفر سنة 292هـ، الموافق 10 يناير عام 905م، معلناً انتهاء الدولة الطولونية التي لم تستمر أكثر من 38 سنة، وعادت مصرمن جديد لمظلة الخلافة العباسية.

أما عن الأميرة الجميلة قطر الندى، فقد عاشت بعد وفاة والدها عدة أعوام بقصر الخلافة، ثم توفيت في شهر رجب عام 287 هـ، بعد خمس سنوات فقط من زواجها، وكانت في الثانية والعشرين من عمرها، وهي ماتزال زهرة يانعة في أوج تألقها، ودفنت بقصر الرصافة ببغداد، ومات الخليفة المعتضد بعد ذلك بعامين.
...تابع القراءة